للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ شَرْطُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بِتَقَوُّمِ الْمُتْلَفِ لَكِنْ بِإِتْلَافِ الْمُتْلِفِ وَإِذَا لَمْ تُضَفْ إلَى تَقَوُّمِ الْمَحِلِّ لَمْ تَصِرْ مُتَعَدِّيَةً وَكَذَلِكَ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ لَا عِلَّةٌ وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ هِيَ الْمَقْذُوفُ.

وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّمَا شُرِعَتْ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ فِي الْأَصْلِ.

أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَبَ يَجْلِسُ بِنَفَقَةِ الِابْنِ الصَّغِيرِ كَمَا يَحِلُّ دَفْعُهُ إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ وَلَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ جَزَاءً كَمَا لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَتْ الدِّيَانَةُ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَوْ وَجَبَ بِدِيَانَتِهَا كَانَتْ الدِّيَانَةُ بِذَلِكَ مُوجِبَةً لَا دَافِعَةً

ــ

[كشف الأسرار]

أَيْ أَلِزَامَنَا إيَّاهُمْ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ بِالدَّلِيلِ بَقِيَ تَقَوُّمُهَا عَلَى مَا كَانَ فِي الْأَصْلِ فَكَانَتْ دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةً لِلْإِلْزَامِ لَا مُثْبِتَةً لِلتَّقَوُّمِ وَذَلِكَ أَيْ لِتَقَوُّمِ شَرْطِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمَحَلَّ وَالْمَحَالُّ بِأَوْصَافِهَا شُرُوطٌ وَالضَّمَانُ وَجَبَ جَزَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ فَلَا يَجِبُ بِتَقَوُّمِ الْمُتْلَفِ لَكِنْ يَجِبُ بِإِتْلَافِ الْمُتْلَفِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ الْقَائِمُ بِهِ وَلِهَذَا سُمِّيَ ضَمَانُ التَّعَدِّي وَالْكَافِرُ بِدِيَانَتِهِ دَفَعَ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ فَبَقِيَ التَّقَوُّمُ عَلَى مَا كَانَ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ إتْلَافُ مَالِ الذِّمِّيِّ الَّذِي فِي زَعْمِ الْمُتْلَفِ أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ وَإِذَا لَمْ يُضِفْ الضَّمَانَ إلَى تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ لَمْ تَصِرْ الدِّيَانَةُ مُتَعَدِّيَةً إذْ لَوْ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَكَانَتْ الدَّيَّانَةُ مُتَعَدِّيَةً حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ سَاقِطٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِ فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ لَوَجَبَ بِإِثْبَاتِ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ بِدِيَانَةِ الْكَافِرِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا أَنَّ التَّقَوُّمَ شَرْطُ الضَّمَانِ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ شَرْطُ وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ لَا عِلَّتِهِ إنَّمَا الْعِلَّةُ هِيَ الْقَذْفُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ وَالْكَافِرُ بِدِيَانَتِهِ مَنَعَ سُقُوطَ إحْصَانِهِ الثَّابِتِ قَبْلَ الْوَطْءِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ مُضَافًا إلَى قَذْفِهِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ بِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِحْصَانُ فَكَانَتْ الدِّيَانَةُ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لَمْ يُضِفْ إلَى الْإِحْصَانِ.

١ -

فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ أَيْ وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ فِي الْأَصْلِ أَيْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّفَقَةِ عَجْزُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ وَمِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ الِاحْتِبَاسُ الدَّائِمُ فَإِنَّ دَوَامَهُ مِنْ غَيْرِ إنْفَاقٍ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ إذْ لَا بَقَاءَ لِلْإِنْسَانِ عَادَةً بِدُونِ النَّفَقَةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً عَلَى الدَّوَامِ لِحَقِّهِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ دَافِعَةً لِلْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهَا بِدِيَانَتِهَا لِبَقَائِهَا مَحْبُوسَةً لِحَقِّهِ فَلَا يَكُونُ دِيَانَتُهَا مُوجِبَةً عَلَيْهِ شَيْئًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ أَنَّ الْأَبَ يُحْبَسُ بِنَفَقَةِ الِابْنِ الصَّغِيرِ أَيْ بِسَبَبِ مَنْعِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ عَنْهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاصِدِ لِهَلَاكِهِ إذْ لَا بَقَاءَ لَهُ عَادَةً بِدُونِ النَّفَقَةِ فَيَحِلُّ لِلِابْنِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ يَحِلُّ لِلْقَاضِي دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الصَّغِيرِ الْعَاجِزِ بِحَبْسِ أَبِيهِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ كَمَا يَحِلُّ دَفْعُهُ أَيْ دَفْعُ الْأَبِ بِالْقَتْلِ أَوْ دَفْعُ الِابْنِ أَبَاهُ بِالْقَتْلِ إذَا قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَ الِابْنِ. وَلَا يَحِلُّ حَبْسُ الْأَبِ بِدَيْنِ الِابْنِ جَزَاءً إذْ الْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَالْمُمَاطَلَةِ كَمَا لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْأَبِ بِسَبَبِ قَتْلِ الِابْنِ قِصَاصًا فَثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ أَوْ كَانَ الشَّأْنُ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ وَالنَّفَقَةِ لَمْ يَثْبُت وَالدِّيَانَةُ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ كَانَتْ الدِّيَانَةُ دَافِعَةً لَا مُوجِبَةً بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الدَّفْعِ.

فَلَوْ وَجَبَ أَيْ ثَبَتَ الْمِيرَاثُ لِلْبِنْتِ الْمَنْكُوحَةِ بِدِيَانَتِهَا كَانَتْ دِيَانَتُهَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مُوجِبَةً عَلَى الْبِنْتِ الْأُخْرَى اسْتِحْقَاقَهَا زِيَادَةَ الْمِيرَاثِ لَا دَافِعَةً. وَلَا يُقَالُ الْبِنْتُ الْأُخْرَى قَدْ تَدَيَّنَتْ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ أَيْضًا حَيْثُ اعْتَقَدَتْ الْمَجُوسِيَّةَ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقُ زِيَادَةِ الْمِيرَاثِ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الْتِزَامِهَا بِدِيَانَتِهَا لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا خَاصَمَتْ إلَى الْقَاضِي فِي الْمِيرَاثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْتَقِدْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَلَا تَرِثُ الْمَنْكُوحَةُ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>