وَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ جَعَلْنَا الدِّيَانَةَ دَافِعَةً أَيْضًا هَذَا جَوَابٌ قَدْ قِيلَ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي عَنْ فَصْلِ النَّفَقَةِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَنَاكَحَا فَقَدْ دَانَا بِصِحَّتِهِ فَقَدْ أَخَذَ الزَّوْجُ بِدِيَانَتِهِ وَلَمْ يَصِحَّ مُنَازَعَتُهُ مِنْ بَعْدُ بِخِلَافِ مُنَازَعَةِ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ هَذِهِ الدِّيَانَةَ وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالتَّقْلِيدِ دُونَ الْخُصُومَةِ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَكَذَلِكَ قَالَا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا إنَّ تَقَوُّمَ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةَ شُرْبِهَا وَتَقَوُّمَ الْخِنْزِيرِ وَإِبَاحَتَهُ كَانَ حُكْمًا ثَابِتًا أَصْلِيًّا فَإِذَا قَصُرَ الدَّلِيلُ بِالدِّيَانَةِ بَقِيَ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا أَصْلِيًّا يُرَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أُخْتُهُ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ فِي زَمَنِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه
ــ
[كشف الأسرار]
فَاسِدٌ فِي حَقِّ الَّتِي نَازَعَتْ فِي الْإِرْثِ وَدَانَتْ بِالْفَسَادِ.
وَذَكَرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ بِالزَّوْجِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ هَذَا النِّكَاحَ مَحْكُومٌ بِالصِّحَّةِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النِّكَاحَ وَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِالصِّحَّةِ لَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَنَا بِالدَّلِيلِ جَوَازُ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ فِي دِينِهِ فَلَا يَثْبُتُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ بِاعْتِقَادِهِمْ وَدِيَانَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِدِيَانَةِ الذِّمِّيِّ فِي حُكْمٍ إذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَرْعٍ وَلَمْ يَثْبُتْ بِدِيَانَتِنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِي دِيَانَتِنَا فَاسِدٌ. بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمِيرَاثِ فِي دِينِنَا فَيَكُونُ سَبَبًا فِي حَقِّهِمْ إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ.
وَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ أَيْ نِكَاحُ الْمَحَارِمِ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَلَمْ يُجْعَلُ دِيَانَةُ الَّذِي لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي مُلْزَمَةً عَلَى الَّذِي رَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَكِنْ جَعَلْنَا دِيَانَتَهُ دَافِعَةً لِمَا أَلْزَمَهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا قَدْ دَانَا جَمِيعًا بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ حِينَ أَقْدَمَا عَلَى مُبَاشَرَتِهِ فَإِذَا جَاءَ أَحَدُهُمَا طَالِبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ الْمُلْزِمُ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ وَالْآخَرُ مُصِرٌّ عَلَى اعْتِقَادِهِ كَمَا كَانَ فَيَكُونُ دَافِعًا بِدِيَانَتِهِ إلْزَامَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَافَعَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ الْتَزَمَا حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمَا. هَذَا أَيْ مَا أَجَبْنَا عَنْ فَصْلِ النَّفَقَةِ جَوَابٌ قَدْ قِيلَ. فَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَمْ يُسَلِّمَا أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ وَجَعَلَاهَا صِلَةً مُبْتَدَأَةً كَالنِّكَاحِ وَسَبَبُهَا النِّكَاحُ أَيْضًا كَمَا أَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَلِذَلِكَ اخْتَارَ جَوَابًا آخَرَ وَأَشَارَ إلَى فَسَادِ هَذَا الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي عَنْ فَصْلِ النَّفَقَةِ إنَّهُمَا لَمَّا تَنَاكَحَا فَقَدْ دَانَا بِصِحَّتِهِ فَأَخَذَ الزَّوْجُ بِدِيَانَتِهِ؛ لِأَنَّ دِيَانَتَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَلَمْ تَصِحَّ مُنَازَعَةَ الزَّوْجِ فِي مَنْعِ النَّفَقَةِ بِدَعْوَى فَسَادِ النِّكَاحِ مِنْ بَعْدِ أَيْ مِنْ بَعْدَ مَا أَقْدَمَ عَلَى التَّزَوُّجِ وَدَانَ بِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُوجِبَ النِّكَاحِ حِينَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ. بِخِلَافِ مُنَازَعَةِ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ وَهِيَ الْبِنْتُ الْأُخْرَى. لِأَنَّهَا لَمْ تَلْزَمْ هَذِهِ الدِّيَانَةُ أَيْ الدِّيَانَةُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَيْثُ نَازَعَتْ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ.
وَقَوْله وَأَمَّا الْقَاضِي جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ دِيَانَتَهُ لَوْ صَلُحَتْ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي الْإِيجَابِ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً عَلَى الْقَاضِي فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْخُصُومَةِ فَكَانَتْ دِيَانَتُهُ مُتَعَدِّيَةً إلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا لَزِمَ الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِالتَّقَلُّدِ دُونَ الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ الْخُصُومَةُ مُلْزِمَةً عَلَيْهِ بَلْ تَكُونُ شَرْطًا قَوْله (وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَكَذَلِكَ قَالَا أَيْضًا) أَيْ قَالَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ دِيَانَتَهُمْ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ وَدَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ لِدَلِيلِ الشَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ فَيَبْقَى الْحُكْمُ الثَّابِتُ قَبْلَ الْخِطَابِ عَلَى مَا كَانَ فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّ هَذَا فِي كُلِّ حُكْمٍ كَانَ أَصْلِيًّا قَبْلَ الْخِطَابِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَرِدْ الْخِطَابُ لَبَقِيَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا فِي حُكْمٍ ضَرُورِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الْخِطَابُ فِي شَرِيعَتِنَا لَمْ يُمْكِنْ إبْقَاؤُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا. فَتَقَوُّمُ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةُ شُرْبِهَا وَتَقُومُ الْخِنْزِيرِ وَإِبَاحَتُهُ كَانَتْ أَحْكَامًا أَصْلِيَّةً قَبْلَ شَرِيعَتِنَا فَبِقُصُورِ الدَّلِيلِ بِسَبَبِ دِيَانَتِهِمْ يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَيْ عَلَى التَّقَوُّمِ وَالْإِبَاحَةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِتَقَوُّمِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّهِمْ وَبِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى مُتْلِفِهِمَا وَبِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِيهِمَا كَمَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute