للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَيِّنٌ صَارَ مُسْتَعَارًا لِحُكْمِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالنِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَقَالَا لَفْظُ الْهِبَةِ يَنْعَقِدُ لِحُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ فِي الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ بَيْعِ الْحُرَّةِ وَهِبَتِهَا مِثْلُ احْتِمَالِ مَسِّ السَّمَاءِ وَأَمَّا هَذَا فَمُسْتَحِيلٌ بِمَرَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا تَصَرُّفٌ فِي التَّكَلُّمِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى احْتِمَالِ الْحُكْمِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَإِيجَابُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بَاطِلٌ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ التَّكَلُّمِ صَحِيحٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي التَّكَلُّمِ بِالْمَنْعِ فَصَحَّ فَكَذَلِكَ هَذَا لِمَا كَانَ تَصَرُّفًا فِي التَّكَلُّمِ صَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ بِهِ لِحُكْمِ حَقِيقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِإِيجَابِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمِنْ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ عِتْقُهُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ فَجُعِلَ إقْرَارًا بِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الشُّجَاعَةِ لَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالشُّجَاعِ وَالْأَسَدِ وَعَنْ هَذَا تَوَهَّمُوا أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ هَذَا أَسَدٌ لِلشُّجَاعِ خَلَفٌ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا شُجَاعٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا ابْنِي فِي مَسْأَلَتِنَا خَلَفٌ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْته وَإِنَّ عِنْدَهُمَا ثُبُوتَ الشُّجَاعِ بِقَوْلِهِ هَذَا أَسَدٌ خَلَفٌ عَنْ ثُبُوتِ الْهَيْكَلِ الْمَعْلُومِ بِهِ وَثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ خَلَفٌ عَنْ الْبُنُوَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَكُونُ خَلَفًا إلَّا عَنْ حَقِيقَتِهِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْ مَحَلِّهَا إلَى مَحَلِّ الْمَجَازِ فَأَمَّا عَنْ الْحَقِيقَةِ الثَّابِتَةِ لِمَحَلِّ الْمَجَازِ فَلَا.

وَلَوْ كَانَ لَفْظُ الْأَسَدِ خَلَفًا عَنْ الشُّجَاعِ وَلَفْظُ هَذَا ابْنِي خَلَفًا عَنْ هَذَا حُرٌّ كَمَا زَعَمُوا لَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ الَّتِي ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ مُتَصَوَّرٌ كَمَا فِي الْأَصْغَرِ سِنًّا مِنْهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِوُجُودِ شَرْطِ الْمَجَازِ وَهُوَ تَصَوُّرُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْأَمْرِ بِخِلَافِهِ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الشُّجَاعُ خَلَفًا عَنْ الْهَيْكَلِ الْمَعْلُومِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَلَفِيَّةَ إذْ ذَاكَ تَكُونُ بَيْنَ الْمَعَانِي لَا بَيْنَ الْأَلْفَاظِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْخَلَفِيَّةِ فِي الْحُكْمِ أَوْ فِي التَّكَلُّمِ مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ " هَذَا أَسَدٌ " خَلَفًا عَنْ " هَذَا أَسَدٌ " وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَلَفُ مُغَايِرًا لِلْأَصْلِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَكُونُ خَلَفًا عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ بِسَبَبِ اخْتِلَافٍ فِي الْمَحَلَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ آثَارَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ قَوْلَك هَذَا أَسَدٌ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ هُوَ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ وَكَذَا قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ يَدُلُّ عَلَى الْبُنُوَّةِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ فَصَحَّتْ الْخَلَفِيَّةُ.

قَوْلُهُ (وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَيِّنٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا أَخِي عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ صَارَ مُسْتَعَارًا لِحُكْمِهِ أَيْ لِلَازِمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ إذْ هِيَ لَازِمَةُ الْبُنُوَّةِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ.

قَوْلُهُ (كَالنِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ) يَعْنِي إذَا قَالَ وَهَبْت ابْنَتِي مِنْك أَوْ قَالَتْ وَهَبْت نَفْسِي مِنْك عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ يَصِيرُ هَذَا اللَّفْظُ مُسْتَعَارًا لِلنِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِإِيجَابِ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَقَالَا لَفْظُ الْهِبَةِ كَذَا يَعْنِي أَنَّهُمَا لَا يُسَلِّمَانِ عَدَمَ انْعِقَادِهِ لِحُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَيَقُولَانِ إنَّ احْتِمَالَ بَيْعِ الْحُرَّةِ وَهِبَتِهَا ثَابِتٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا كَاحْتِمَالِ مَسِّ السَّمَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ تَمَلُّكَ الْحُرِّ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى قَالَ بَنُوهُ {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٥] فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ لِعَارِضٍ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ النَّسْخِ فَأَمَّا هَذَا أَيْ الْبُنُوَّةُ فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ فَمُسْتَحِيلٌ بِمَرَّةٍ أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ عَقْلًا وَشَرْعًا عَلَى إنَّا لَمْ نُثْبِتْ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِنَّمَا نُثْبِتُهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِحَقِيقَتِهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ، وَمِلْكُ النِّكَاحِ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَرْأَةِ تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ فِي حَقِّ الْوَطْءِ إلَّا أَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ ذَلِكَ أَحَقَّ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ وَإِلَّا أَثْبَتْنَا مِلْكَ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ وَمِلْكُ النِّكَاحِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْجَوَابُ أَنَّ بَعْدَمَا تَحَقَّقَتْ الِاسْتِحَالَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>