للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يُسْتَعَارُ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَهَذَا مَعْنًى يُنَاسِبُ مَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَحْتَمِلُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣] أَيْ إذَا جَاءُوهَا وَأَبْوَابُهَا مَفْتُوحَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] كَقَوْلِ الرَّجُلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ لَا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُ الثَّانِيَةِ بِالشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ اللَّاحِقُ بِهِ مُخْتَصًّا بِهِ غَيْرَ رَاجِعٍ إلَى مَا تَقَدَّمَهُ فَبَقِيَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: ٢٤] فَإِنَّ قَوْلَهُ (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ) جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ تَحْتَ الشَّرْطِ إذْ لَوْ دَخَلَتْ كَانَ خَتْمُ الْقَلْبِ وَمَحْوُ الْبَاطِلِ مُعَلَّقَيْنِ بِالشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَقَدْ عُدِمَ خَتْمُ الْقَلْبِ وَوُجِدَ مَحْوُ الْبَاطِلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّرْطِ وَسُقُوطُ الْوَاوِ فِي الْخَطِّ وَاللَّفْظِ لَيْسَ لِلْجَزْمِ بَلْ سُقُوطُهُ فِي اللَّفْظِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَفِي الْخَطِّ إتْبَاعًا لِلَّفْظِ كَسُقُوطِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ} [الإسراء: ١١] وَقَوْلِهِ {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: ١٨] .

وَلِهَذَا وَقَفَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ وَإِنْ وَقَفَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ وَاوٍ إتْبَاعًا لِلْخَطِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءٌ إعَادَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ إذْ لَوْ كَانَ بِنَاءً لَقِيلَ وَيَمْحُو الْبَاطِلَ وَاخْتُلِفَ فِي خَتْمِ الْقَلْبِ فَقِيلَ هُوَ الصَّبْرُ أَيْ إنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِك بِالصَّبْرِ حَتَّى لَا تَجِدَ مَشَقَّةَ اسْتِهْزَائِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ وَقِيلَ هُوَ الْإِنْسَاءُ أَيْ إنْ يَشَأْ اللَّهُ يُنْسِك مَا أَوْحَى إلَيْك فَلَا تُبَلِّغُهُ إلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَهْزِئُونَ بِك وَلَا يَكْذِبُونَك وَقِيلَ هُوَ عَدَمُ الْفَهْمِ أَيْ إنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِك فَلَا يُفْهَمُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ كَمَا فَعَلَ بِأُولَئِكَ الْكَفَرَةِ. تَذْكِرَةَ إحْسَانِهِ إلَيْهِ وَمَا أَكْرَمَهُ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ لِيَشْكُرَ رَبَّهُ وَيَرْحَمَ عَلَى أُولَئِكَ بِمَا خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَيَمْحُ أَيْ يُطَهِّرُ وَيُظْفِرُ أَهْلَ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَيَنْصُرُهُمْ حَتَّى يَصِيرَ أَهْلُ الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى الْبَاطِلِ وَقِيلَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِين وَيَمْحُو الْبَاطِلَ بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ أَحَدٍ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ بِالْحُجَجِ الَّتِي أَقَامَهَا إذَا تَأَمَّلَ فِيهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ. بِكَلِمَاتِهِ أَيْ بِحُجَجِهِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ.

وَمِثْلُهُ {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: ٧] أَيْ وَمِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ قَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ} [آل عمران: ٧] فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِ {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] فَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَصْلِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ يُسْتَعَارُ الْوَاوُ لِلْحَالِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ مَوْقِعَ الْحَالِ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا الْوَاوُ لِأَنَّ الْإِعْرَابَ لَا يَنْظِمُ الْكَلِمَاتِ كَقَوْلِك ضَرَبَ زَيْدٌ اللِّصَّ مَكْتُوفًا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَعَلُّقٌ يَنْتَظِمُ مَعَانِيَهَا فَإِذَا وَجَدْت الْإِعْرَابَ قَدْ تَنَاوَلَ شَيْئًا بِدُونِ الْوَاوِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَعَلُّقٍ هُنَاكَ مَعْنَوِيٍّ فَذَلِكَ يَكُونُ مُغْنِيًا عَنْ تَكَلُّفِ مُعَلَّقٍ آخَرَ إلَّا أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً بِفَائِدَةٍ غَيْرِ مُتَّحِدَةٍ بِالْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ وَغَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ عَنْهَا لِجِهَةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا كَمَا تَرَى فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَفَرَسُهُ يَعْدُو وَيُبْسَطُ الْعُذْرَ فِي أَنْ يَدْخُلَهَا وَاوٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى مِثْلُهُ فِي نَحْوِ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو فَهَذَا مَعْنَى اسْتِعَارَةِ الْوَاوِ لِلْحَالِ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَحْتَمِلُهُ) يَعْنِي لَمَّا كَانَتْ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَانَ الِاجْتِمَاعُ الَّذِي بَيْنَ الْحَالِ وَذِي الْحَالِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>