للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَوْضِعُ ذَلِكَ أَنْ يَفْسُدَ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ ضَرْبُ الْغَايَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨] أَيْ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ إلَّا أَنْ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ، لِأَنَّ الْعَطْفَ لَمْ يُحْسِنْ الْفِعْلَ عَلَى الِاسْمِ وَلِلْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي فَسَقَطَتْ حَقِيقَتُهُ وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْغَايَةُ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لَمَّا تَنَاوَلَتْ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ كَانَ احْتِمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَنَاهِيًا بِوُجُودِ صَاحِبِهِ فَشَابَهَ الْغَايَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْغَايَةِ وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ وَكَذَلِكَ يُقَالُ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي مَعْنَاهُ حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَوْ إلَّا أَنْ تَقْضِيَنِي حَقِّي وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا يُحْصَى

ــ

[كشف الأسرار]

حَقِّي وَذَلِكَ أَنَّك لَوْ قُلْت لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تُعْطِينِي بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكُنْت قَدْ أَثْبَتّ الْإِعْطَاءَ كَمَا أَثْبَتّ اللُّزُومَ وَلَمْ تُقَدِّرْ أَنَّ اللُّزُومَ لِأَجْلِ الْإِعْطَاءِ وَنُزُولِ قَوْلِك مَنْزِلَةَ قَوْلِ الرَّجُلِ اضْرِبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَنَّ اللُّزُومَ لِأَجْلِ الْإِعْطَاءِ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ لَأَلْزَمَنَّكَ لِتُعْطِيَنِي وَجَبَ إضْمَارُ أَنْ لِيُعْلَمَ أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ وَقُدِّرَ مَا قَبْلَ أَوْ تَقْدِيرَ الْمَصْدَرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَيَكُونَنَّ لُزُومٌ مِنِّي أَوْ إعْطَاءٌ مِنْك وَيَنْزِلُ الْكَلَامُ مَنْزِلَةَ قَوْلِك لَأَلْزَمَنَّكَ إلَى أَنْ تُعْطِيَنِي وَحَتَّى تُعْطِيَنِي وَيَكُونُ حَرْفُ الْجَارِّ أَعْنِي إلَى أَوْ حَتَّى دَاخِلًا عَلَى الِاسْمِ فِي الْمَعْنَى لَا عَلَى الْفِعْلِ وَإِنْ جَعَلْت أَوْ بِمَعْنَى إلَّا وَجَبَ إضْمَارُ أَنْ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حِينَئِذٍ مِنْ عَامِّ الظَّرْفِ الزَّمَانِيِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُثَنَّى ظَرْفًا زَمَانِيًّا أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ مَا بَعْدَ إلَّا مَصْدَرًا مُضَافًا إلَيْهِ الزَّمَانُ عَلَى نَحْوِ إلَّا وَقْتَ إعْطَائِك فَوَجَبَ إضْمَارُ أَنْ لِيَكُونَ الْمُضَارِعُ فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ وَكَانَ الْمَعْنَى لُزُومِي إيَّاكَ وَاقِعٌ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ إعْطَائِك وَمَوْضِعُ ذَلِكَ أَيْ مَوْضِعُ أَنْ يُجْعَلَ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ أَنْ يَفْسُدَ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْمًا وَالْآخَرُ فِعْلًا أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا وَيَحْتَمِلُ ضَرْبُ الْغَايَةِ بِأَنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلِامْتِدَادِ.

وَذَلِكَ أَيْ الْمَوْضِعُ الَّذِي جُعِلَ أَوْ فِيهِ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨] فَإِنَّ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنْ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ فِي عَذَابِهِمْ أَوْ اسْتِصْلَاحِهِمْ شَيْءٌ حَتَّى يَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أَوْ تَعْذِيبُهُمْ وَمَا عَلَيْك إلَّا أَنْ تُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ وَتُجَاهِدَ حَتَّى تُظْهِرَ الدِّينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَطْفَ لَمَّا لَمْ يَحْسُنْ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ يَتُوبَ إمَّا إنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَلْزَمُ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي. سَقَطَتْ حَقِيقَتُهُ أَيْ حَقِيقَةُ أَوْ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمَجَازِهِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْغَايَةُ لِأَنَّ مَعْنَى أَوْ يُنَاسِبُ مَعْنَى الْغَايَةِ لِأَنَّهُ لِمَا تَنَاوَلَ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ كَانَ تَعْيِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ قَاطِعًا لِاحْتِمَالِ الْآخَرِ وَهَذَا يُنَاسِبُ مَعْنَى الْغَايَةِ.

وَكَذَا يُنَاسِبُ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قُلْنَا فَلِذَلِكَ جُعِلَ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨] عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] اعْتِرَاضٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكٌ أَمْرَهُمْ فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَوْ يَهْزِمَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ إنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَبْعُوثٌ لِإِنْذَارِهِمْ وَمُجَاهَدَتِهِمْ.

وَقِيلَ أَوْ يَتُوبَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ وَأَنْ يَتُوبَ فِي حُكْمِ اسْمٍ مَعْطُوفٍ بِأَوْ عَلَى الْأَمْرِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَوْ مِنْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ أَوْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ وَقِيلَ أَوْ بِمَعْنَى إلَّا أَنْ كَقَوْلِك لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تُعْطِيَنِي حَقِّي عَلَى مَعْنَى لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحُ بِحَالِهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ فَيَتَشَفَّى مِنْهُمْ قَوْلُهُ (وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُهُ) أَيْ تَقْبَلُ مَعْنَى الْغَايَةِ لِأَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا شُجَّ وَجْهُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَوْمَ أُحُدٍ سَأَلَهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يَلْعَنَهُمْ وَيَدْعُوَ بِهَلَاكِهِمْ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا بَعَثَنِي اللَّهُ لَعَّانًا وَلَا طَعَّانًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>