للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَنَّ الْأَهْلَ مَحْذُوفٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ لُغَةً لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْأَهْلَ انْتَقَلَتْ الْإِضَافَةُ عَنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْأَهْلِ وَالْمُقْتَضِي لِتَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى لَا لِنَقْلِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ جَعَلُوا الْمَحْذُوفَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضِي وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا: هُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ وَأَنَّهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عُمُومِهِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا إلَى انْتِفَاءِ الْعُمُومِ عَنْهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابَعَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَعَلَ الْكُلَّ قِسْمًا وَاحِدًا فَقَالَ: الْمُقْتَضَى زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى النَّصِّ بِدُونِهَا فَاقْتَضَاهَا النَّصُّ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَاهُ وَلَا يَلْغُو فَفِي تَعْرِيفِهِ هَذَا دَخَلَ الْمَحْذُوفُ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ أَهْلَهَا اقْتِضَاءً لِأَنَّ السُّؤَالَ لِلتَّبْيِينِ فَاقْتَضَى مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ لِيُفِيدَ فَثَبَتَ الْأَهْلُ اقْتِضَاءً لِيُفِيدَ قَالَ: وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَعَيْنُهَا غَيْرُ مَرْفُوعٍ فَاقْتَضَى ضَرُورَةَ زِيَادَةٍ وَهُوَ الْحُكْمُ لِيَصِيرَ مُفِيدًا وَصَارَ الْمَرْفُوعُ حُكْمَهَا وَثَبَتَ رَفْعُ الْحُكْمِ عَامًّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ وَالصِّحَّةُ فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَنَا إنَّمَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْآخِرَةِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ بِذَا الْقَدْرِ يَصِيرُ مُفِيدًا فَتَزُولُ الضَّرُورَةُ.

قَالَ: وَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالْمُرَادُ حُكْمُ الْأَعْمَالِ فَإِنْ عَيَّنَهَا تَثْبُتُ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَلَّقُ كُلُّ حُكْمٍ بِالنِّيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَعِنْدَنَا لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا مُرَادًا وَصَارَ الْكَلَامُ مُفِيدًا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى مَا وَرَائِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: ثَوَابُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ ثُمَّ الشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا رَأَى أَنَّ الْعُمُومَ مُتَحَقِّقٌ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ مِثْلُ قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَإِنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى وَفَصَلَ بَيْنَ مَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ وَجَعَلَ مَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ قِسْمًا آخَرَ غَيْرَ الْمُقْتَضَى وَسَمَّاهُ مَحْذُوفًا وَوَضَعَ عَلَامَةً تَمَيَّزَ بِهَا الْمَحْذُوفُ عَنْ الْمُقْتَضَى فَقَالَ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى السَّامِعِ الْفَصْلُ أَيْ يَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَبَيْنَ الْمَحْذُوفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي حُذِفَ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ لُغَةً وَآيَةُ ذَلِكَ أَيْ عَلَامَةُ الْفَصْلِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي اقْتَضَى غَيْرَهُ وَهُوَ الَّذِي نُسَمِّيهِ مُقْتَضِيًا ثَبَتَ عِنْدَ صِحَّةِ الِاقْتِضَاءِ أَيْ تَقَرَّرَ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُقْتَضَى وَإِذَا كَانَ مَحْذُوفًا أَيْ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مَحْذُوفًا فَقُدِّرَ مَذْكُورًا انْقَطَعَ عَنْ الْمَذْكُورِ أَيْ انْقَطَعَ مَا أُضِيفَ إلَى الْمَذْكُورِ وَتَعَلَّقَ بِهِ عَنْهُ وَانْتَقَلَ أَيْ الْمُقَدَّرُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ أَيْ لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَالِالْتِبَاسِ يَعْنِي الْحَذْفُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي الْبَاقِي دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مُلْبِسًا وَلَيْسَ هُنَا الْتِبَاسٌ فَجَازَ الْحَذْفُ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي وَأُدْرِجَ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ مَتَى ذُكِرَ الْأَهْلُ أَيْ صُرِّحَ بِهِ انْتَقَلَتْ الْإِضَافَةُ أَيْ إضَافَةُ السُّؤَالِ إلَى الْقَرْيَةِ عَنْهَا إلَى الْأَهْلِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ دُونَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِتَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى وَتَقْرِيرِهِ لَا لِنَقْلِهِ أَيْ نَقْلِ الْمُقْتَضِي عَنْ الْمَذْكُورِ إلَى الْمَحْذُوفِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَتَقَرَّرُ الْكَلَامُ بَعْدَ إظْهَارِ الْمَحْذُوفِ أَيْضًا مِثْلُ تَقَرُّرِهِ فِي الِاقْتِضَاءِ كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>