وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لَمَّا اسْتَحَالَ ظَاهِرُهُ كَانَ الْحُكْمُ مُضْمَرًا مَحْذُوفًا حَتَّى إذَا ظَهَرَ الْمُضْمَرُ انْتَقَلَ الْفِعْلُ عَنْ الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَمْ يَسْقُطْ عُمُومُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ الِاقْتِضَاءِ لَكِنْ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى مَا مَرَّ
ــ
[كشف الأسرار]
قَوْله تَعَالَى {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: ٦٠] أَيْ فَضَرَبَ فَانْشَقَّ الْحَجَرُ فَانْفَجَرَتْ.
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى} [يوسف: ١٩] أَيْ فَنَزَعَ فَرَأَى غُلَامًا مُتَعَلِّقًا بِالْحَبْلِ فَقَالَ: يَا بُشْرَى وَفِي نَظَائِرِهِ كَثْرَةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ قُلْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَلَامَةِ فِي جَانِبِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ التَّقَرُّرُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ لَازِمٌ وَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْمَحْذُوفِ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَدْ يَتَقَرَّرُ وَقَدْ لَا يَتَقَرَّرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] فَبِلُزُومِهِ فِي الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْمَحْذُوفِ يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ ضَعْفٌ سَنُبَيِّنُهُ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ وَالْمُقْتَضِي أَمْرٌ شَرْعِيٌّ قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمَحْذُوفِ يَعْنِي مِنْ نَظَائِرِهِ أَوْ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] .
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَمَّا اسْتَحَالَ ظَاهِرُهُ أَيْ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ وَإِجْرَاؤُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي رَفْعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِكَوْنِ الْأُمَّةِ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَوْنِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لِلْمَاهِيَّةِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ إذْ لَا عَهْدَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَمَلُ بِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْكَذِبِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِهَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ يُمْكِنُ إضَافَةُ الرَّفْعِ إلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ وَهُوَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْكَلَامُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي لِتَغَيُّرِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصْرِيحِ بِهِ مِنْ انْتِقَالِ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّفْعُ عَنْ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَاخْتَارَهُ إلَيْهِ وَمَعْنَى جَمْعِ الشَّيْخِ بَيْنَ الْمُضْمَرِ وَالْمَحْذُوفِ فِي قَوْلِهِ كَانَ الْحُكْمُ مُضْمَرًا مَحْذُوفًا مَعَ تَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْمُضْمَرَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ} [يس: ٣٩] وَالْمَحْذُوفُ لَا أَثَرَ لَهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] هُوَ أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ سَمَّوْا هَذَا النَّوْعَ مُضْمَرًا وَقَدْ سَمَّاهُ الشَّيْخُ مَحْذُوفًا فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ النَّوْعَ لَا غَيْرَهُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَوْ وَمِثْلُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ لَمَّا اقْتَضَى أَنْ لَا يُوجَدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ لِدُخُولِ اللَّامِ الْمُسْتَغْرِقِ لِلْجِنْسِ فِي الْأَعْمَالِ ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَحَقُّقِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ بِدُونِ النِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إدْرَاجِ شَيْءٍ يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ أَوْ الِاعْتِبَارُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَيَرْتَفِعُ بِالِابْتِدَاءِ وَيَنْجَرُّ لَفْظُ الْأَعْمَالِ الَّذِي كَانَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ وَمَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute