للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْنَى الِاقْتِضَاءِ هَهُنَا أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَصَارَ شَبِيهًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ

ــ

[كشف الأسرار]

هَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْأَمْرِ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ.

وَمَعْنَى الِاقْتِضَاءِ هَاهُنَا كَذَا يَعْنِي لَا نَعْنِي بِهِ الِاقْتِضَاءَ الَّذِي هُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ إذْ لَا تَوَقُّفَ لِصِحَّةِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ ضَرُورَةٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَمَا أَنَّ الْمُقْتَضَى ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَكَانَ شَبِيهًا بِمُقْتَضَيَاتِ الشَّرْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ بِالضَّرُورَةِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ مُوجِبُ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ هَاهُنَا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَالتَّرْغِيبُ كَمَا يُجْعَلُ الْمُقْتَضَى مَذْكُورًا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهُوَ صِحَّةُ الْكَلَامِ.

وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ إنَّ الضِّدَّ مَسْكُوتٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ لَكِنَّهُ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنَّ الِاقْتِضَاءَ طَرِيقٌ صَحِيحٌ لِإِثْبَاتِ الْمُقْتَضَى، وَإِنْ كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ التَّعْلِيقَاتِ فَإِنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ، وَلَكِنَّ عَدَمَهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى دَلِيلٍ مَعْدُومٍ يُضَافُ إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى التَّعْلِيقِ نَصًّا، وَلَا اقْتِضَاءً فَأَمَّا وُجُوبُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِيجَادِ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ التَّرْكِ وَالْحُرْمَةُ الثَّابِتَةُ بِمُقْتَضَى الشَّيْءِ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا قَدْرَ مَا يَثْبُتُ مِنْ الْحُرْمَةِ مُضَافًا إلَى أَمْرِ اقْتِضَاءٍ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبْصِرَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ دِيَارِنَا ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ضِدِّهِ، وَلَا أَقُولُ إنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا أَقُولُ إنَّهُ بَدَلٌ، وَلَسْت أَدْرِي مَا إذَا كَانَ رَأْيُهُ أَنَّ تَوَجُّهَ الْوَعِيدِ عَلَى تَارِكِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِارْتِكَابِهِ ضِدَّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ التَّرْكُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَمْ لِانْعِدَامِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ ارْتَكَبَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ فَإِنْ كَانَ الْوَعِيدُ مُتَوَجِّهًا لِانْعِدَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ فِي الضِّدِّ، وَالْوَعِيدُ بِدُونِهِ مُتَوَجِّهٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ لَتَوَجَّهَ الْوَعِيدُ مِنْ فِعْلٍ مَحْظُورٍ يَرْتَكِبُهُ وَذَلِكَ فِعْلُ التَّرْكِ فَكَيْفَ يَزْعُمُ بِتَوَجُّهِ كُلِّ الْوَعِيدِ لِتَارِكِ الْفَرَائِضِ وَثُبُوتِ الْعُقُوبَةِ لَهُ لَوْ لَمْ يَتَغَمَّدْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ لِمُبَاشَرَةِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا مَحْظُورٍ، وَهَذَا مِمَّا يَأْبَاهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَيْضًا فَقَالَ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ضِدِّهِ خِلَافُ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ تَرْكَ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالِامْتِنَاعَ عَنْ تَحْصِيلِهَا حَرَامٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضِّدَّ إنَّمَا يُجْعَلُ مَكْرُوهًا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاشْتِغَالُ بِهِ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ فَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ الِاشْتِغَالُ بِهِ تَفْوِيتَهُ لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّفْوِيتِ، وَيَصِيرُ سَبَبًا لِتَوَجُّهِ الْوَعِيدِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَاتِهِ مُبَاحًا كَصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ حَرَامٌ وَسَبَبٌ لِلْعُقُوبَةِ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ الْإِجَابَةِ، وَمُبَاحٌ بَلْ عِبَادَةٌ وَسَبَبٌ لِلثَّوَابِ بِاعْتِبَارِ قَهْرِ النَّفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>