للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ مُغَيِّرٌ لِلْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْأَلْفُ اسْمٌ عَلَمٌ لِذَلِكَ الْعَدَدِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَإِذَا قَالَ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ كَانَ تَغْيِيرًا لِبَعْضِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَوْ صَحَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَرَاخِيًا كَانَ نَاسِخًا وَلَكِنَّهُ إذَا اتَّصَلَ مَنَعَ بَعْضَ التَّكَلُّمِ لَا إنْ وَقَعَ بَعْدَ الْوُجُودِ فَكَانَ بَيَانًا فَسُمِّيَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ.

ــ

[كشف الأسرار]

فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ النَّسْخَ أَحَدَ أَقْسَامِ الْبَيَانِ وَسَمَّاهُ بَيَانَ التَّبْدِيلِ، ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا إنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانٍ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ النَّسْخَ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ بَيَانًا هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ رَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَإِبْطَالُهُ فَلَا يَكُونُ بَيَانًا لَهُ.

، وَلَمَّا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لِابْتِدَاءِ وُقُوعِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ يَعْنِي، وَلَمَّا كَانَ التَّعْلِيقُ لِهَذَا الْغَرَضِ وَهُوَ بَيَانُ ابْتِدَاءِ وُقُوعِ الْكَلَامِ غَيْرَ مُوجِبٍ وَالْكَلَامُ كَانَ يَحْتَمِلُهُ أَيْ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ غَيْرَ مُوجِبٍ حُكْمَهُ فِي الْحَالِ شَرْعًا مِثْلَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَتَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ سُمِّيَ أَيْ التَّعْلِيقُ بَيَانًا وَهُوَ جَوَابٌ لَمَّا، وَإِنَّمَا قَالَ وَالْكَلَامُ كَانَ يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمُبَيِّنُ مُحْتَمِلًا لَهُ بِوَجْهٍ لِيَكُونَ الْبَيَانُ إظْهَارًا لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَا يَكُونُ بَيَانًا لَهُ بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ وَكَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي اشْتِمَالِهِ عَلَى وَصْفَيْ الْبَيَانِ وَالتَّغْيِيرِ. أَلْفُ دِرْهَمٍ اسْمٌ عِلْمٌ لِذَلِكَ الْعَدَدِ أَيْ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْأَلْفِ وَهُوَ عَشْرُ مِئِينَ فَإِنَّ اسْمَ الْعَدَدِ كَثَلَاثَةٍ وَعَشَرَةٍ وَمِائَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَمُ جِنْسٍ كَأُسَامَةَ لِلْأَسَدِ وَالِاسْمُ الْعَلَمُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ.

أَوْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْعَدَدِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِانْسِدَادِ بَابِهِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ مَعْنًى إلَّا نِسْبَةً عَامَّةً وَهِيَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ عَدَدًا وَالنِّسْبَةُ الْعَامَّةُ لَا تَصْلُحُ طَرِيقًا لِلْمَجَازِ وَلَا صُورَةً إلَّا مِنْ حَيْثُ الْجُزْءُ وَالْكُلُّ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ طَرِيقًا لَهُ أَيْضًا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُخْتَصُّ بِهِ وَهَاهُنَا مَا دُونَ الْأَلْفِ مَثَلًا كَمَا يَصْلُحُ جُزْءُ الْأَلْفِ يَصْلُحُ جُزْءُ الْأَلْفَيْنِ وَلِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْجُزْئِيَّةُ لَا تَصْلُحُ طَرِيقًا لِلْمَجَازِ أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ. أَلَا تَرَى: تَوْضِيحٌ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّعْلِيقِ تَغْبِيرًا فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُتَرَاخِيًا كَانَ نَاسِخًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ ثَبَتَ مُوجَبُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَلَوْ صَحَّ إلْحَاقُ الشَّرْطِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالتَّعْلِيقِ فَكَانَ نَسْخًا.

وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ ثَبَتَ مُوجِبُهُ وَهُوَ وُجُوبُ تَمَامِ الْأَلْفِ فَلَوْ صَحَّ إلْحَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ كَانَ نَسْخًا لِلْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَلْفِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ فَثَبَتَ أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنَى التَّغْيِيرِ، لَكِنَّهُ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا اتَّصَلَ بِالْكَلَامِ - وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ تَغْيِيرًا لِبَعْضِهِ - مَنَعَ بَعْضَ التَّكَلُّمِ أَيْ مَنَعَ التَّكَلُّمُ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا فِي الْبَعْضِ لَا إنَّ رَفْعَهُ بَعْدَ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَوْ رُفِعَ لَكَانَ نَسْخًا.

فَكَانَ: أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بَيَانًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْبَعْضَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْكَلَامِ ابْتِدَاءً فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ كَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ، وَذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مِائَةً لَيْسَ بِتَغْيِيرٍ لِلْأَلْفِ بَلْ رَدٌّ لِبَعْضِهِ فَمِنْ حَيْثُ قَرَّرَ الْبَقِيَّةَ كَانَ بَيَانًا وَمِنْ حَيْثُ رَفَعَ بَعْضَهُ كَانَ تَغْيِيرًا، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ سُمِّيَ بَيَانًا؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ ابْتِدَاءً وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ جَائِزٌ، لَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَنَّ الْأَلْفَ اسْمٌ عَلَمٌ لِذَلِكَ الْعَدَدِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرُهُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ مُتَكَلَّفٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>