للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُهُمْ فَصَارَ عِنْدَنَا تَقْدِيرُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ وَعِنْدَهُ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] فَلَا تَجْلِدُوهُمْ وَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الصَّالِحُونَ غَيْرُ فَاسْقِينَ

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الْمَحَلِّ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ مَعَ صُورَةِ التَّكَلُّمِ بِهَا فَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً صَارَ عِنْدَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْمِائَةُ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ كَلَامِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَصَارَ عِنْدَنَا كَأَنَّهُ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ تِسْعُمِائَةٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْأَلْفِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْمِائَةِ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ يَدْخُلُ عَلَى الْكَلَامِ فَيُغَيِّرُهُ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيهِ لَوْلَا الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَيَجْعَلُهُ مُتَكَلِّمًا بِالْبَاقِي لَا أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ كَلَامِهِ مَا دَخَلَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِيهِ لَمَا خَرَجَ نَعَمْ كَانَ يَقْبَلُ الْقَطْعَ فِي الدَّوَامِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ فَأَمَّا رَفْعُ مَا سَبَقَ دُخُولُهُ فِي الْكَلَامِ فَمُحَالٌ.

قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَوْ إنْ لَمْ يَكُونُوا ذِمِّيِّينَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ لَكِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِإِخْرَاجِهِ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ الْإِخْرَاجُ بِالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِخْرَاجِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَقْتَصِرْ وَأَلْحَقَ بِهِ مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهُ وَإِتْمَامٌ لَهُ غَيَّرَ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ وَجَعَلَهُ كَالنَّاطِقِ بِالْبَاقِي وَدَفَعَ دُخُولَ الْبَعْضِ، وَمَعْنَى الدَّفْعِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ لَوْلَا الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَإِذَا أُلْحِقَا قَبْلَ الْوُقُوفِ دُفِعَا.

وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ أَنَّ عَقْلِيَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ يَعْنِي مَعْقُولِيَّتَهُ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا إنْ قُلْنَا زَيْدٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْقَوْمِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَنَّهُ إخْرَاجُ مَا بَعْدَ إلَّا مِمَّا قَبْلَهَا وَإِجْمَاعُهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي تَفَاصِيلِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَلِأَنَّا قَاطِعُونَ إذَا قَالَ الْعَرَبِيُّ لَهُ عِنْدِي دِينَارٌ إلَّا ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ بِأَنْ يَحْسِبَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ إلَّا، ثُمَّ يُخْرِجَهُ مِنْ الدِّينَارِ، ثُمَّ يَقْطَعَ بِأَنَّ الْقَدْرَ بَعْدَهُ هُوَ الْبَاقِي وَإِنْ قُلْنَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهِمْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا قَالَ جَاءَ الْقَوْمُ وَزَيْدٌ مِنْهُمْ فَقَدْ وَجَبَ نِسْبَةُ الْمَجِيءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ فَإِذَا أُخْرِجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نُفِيَ عَنْهُ الْمَجِيءُ فَيَصِيرُ مُثْبَتًا مَنْفِيًّا بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامٍ إلَّا وَهُوَ كَذِبٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ.

قَالَ وَالصَّوَابُ الَّذِي يَجْمَعُ رَفْعَ الْإِشْكَالَيْنِ أَنْ يَقُولَ لَا يُحْكَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ ذِكْرِ الْمُفْرَدَاتِ فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِذَا قَالَ الْمُتَكَلِّمُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فُهِمَ الْقِيَامُ أَوَّلًا بِمُفْرَدِهِ وَفُهِمَ الْقَوْمُ بِمُفْرَدِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ زَيْدًا وَفُهِمَ إخْرَاجُ زَيْدٍ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ إلَّا زَيْدًا، ثُمَّ حُكِمَ بِنِسْبَةِ الْقِيَامِ إلَى هَذَا الْمُفْرَدِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ زَيْدٌ فَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسَالِكِ الْمَقْطُوعِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَقِيمُ وَهُوَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ حَاصِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْرَدَاتِ وَفِيهِ تَوْقِيَةٌ بِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ وَتَوْقِيَةٌ بِأَنَّك مَا نَسَبْت إلَّا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجْت زَيْدًا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ الْمَذْكُورَةِ فَاسْتَقَامَ الْأَمْرُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

قَوْلُهُ (وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُهُمْ) يَعْنِي دَلَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ أَجْوِبَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَلَنَا وَلَهُمْ مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ أَوْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ جَوَابُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَعْنِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ عَنْ السَّلَفِ أَوْ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ.

، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ بَيَانُ أَنَّ الْمَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: ٣٤] مُعَارِضًا لِصَدْرِ الْكَلَامِ فَقَالَ إنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>