للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ النَّفْيَ إذَا أُلْحِقَ بِالْجَلْدِ لَمْ يَبْقَ الْجَلْدُ حَدًّا

ــ

[كشف الأسرار]

جَعَلَتْ الرَّقَبَةَ بِدُونِ صِفَةِ الْإِيمَانِ كَفَّارَةً وَلَا تَبْقَى بَعْدَ قَيْدِ الْإِيمَانِ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْجُمْلَةِ وَالْمُؤْمِنَةَ تَجُوزُ لَا لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ لِلْوَصْفِ الزَّائِدِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَبِدُونِهِ لَا يَكُونُ مَا يَبْقَى كَفَّارَةً وَلَا بَعْضُهَا فَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ مَعْنًى.

وَبَيَانُ صُورَةِ قَوْلِهِ (وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ النَّفْيَ) كَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: النَّفْيُ تَقْرِيرٌ لِلْجَلْدِ فَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا فَقَالَ نَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّهُ نَسْخٌ لِنَفْسِ الْجَلْدِ بَلْ هُوَ نَسْخٌ لِكَوْنِهِ حَدًّا لِصَيْرُورَتِهِ بَعْضَ الْحَدِّ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْحَدِّ حُكْمُ الْحَدِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ يَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ تَقْتَضِي زَوَالَ شَيْءٍ لَا مَحَالَةَ، وَأَقَلُّهُ زَوَالُ عَدَمِهَا الَّذِي كَانَ ثَابِتًا وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُزَالَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَكَانَ الزِّيَادَةُ مُتَرَاخِيًا سُمِّيَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ حُكْمًا عَقْلِيًّا وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَا تُسَمَّى نَسْخًا وَثَالِثُهَا أَنَّ الزَّائِلَ بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ حُكْمَ الْعَقْلِ يُجَوِّزُ الزِّيَادَةَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الزَّائِلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَإِنْ كَانَ دَلِيلُ الزِّيَادَةِ بِحَيْثُ يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِدَلِيلِ الْحُكْمِ الزَّائِلِ جَازَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَلَا وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفُرُوعَ فَقَالَ: زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ لَا تُزِيلُ إلَّا نَفْيَ وُجُوبِ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَهَذَا النَّفْيُ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا بَلْ هُوَ مَعْلُومٌ بِالْفِعْلِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمِائَةِ وَحْدَهَا مُجْزِئَةً وَكَوْنُهَا كَمَالَ الْحَدِّ وَحُصُولُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ لِلْإِمَامِ بِإِقَامَتِهَا فَكُلُّهَا تَابِعٌ لِنَفْيِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ وَلَمَّا كَانَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ مَعْلُومًا بِالْعَقْلِ جَازَ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيهِ كَمَا أَنَّ الْفُرُوضَ لَوْ كَانَتْ خَمْسَةً لَتَوَقَّفَ عَلَى أَدَائِهَا الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ فَلَوْ زِيدَ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ لَتَوَقَّفَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ عَلَى أَدَاءِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَكَذَا هَاهُنَا، فَأَمَّا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِائَةُ وَحْدَهَا كَمَالُ الْحَدِّ وَإِنَّهَا وَحْدَهَا مُجْزِئَةٌ فَلَا يُقْبَلُ فِي الزِّيَادَةِ هَاهُنَا خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزِّيَادَةِ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلِّيَّةَ الْحَدِّ فِيهَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ مَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ وَتَقْدِيرُ الْحَدِّ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ فَكَانَ شَرْعِيًّا وَلِأَنَّ الْحَدَّ مَتَى كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ جَاءَ نَصُّ التَّغْرِيبِ مُتَرَاخِيًا فَيَكُونُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَاكِتًا عَنْ حُكْمِ التَّغْرِيبِ وَالسُّكُوتُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بَيَانٌ فَصَارَ وُجُوبُ انْتِفَاءِ التَّغْرِيبِ حُكْمًا شَرْعِيًّا بِدَلَالَةِ السُّكُوتِ، فَإِذَا جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِإِيجَابِ التَّغْرِيبِ كَانَ نَسْخًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ وُجُوبُ انْتِفَاءِ التَّغْرِيبِ بِسُكُوتِهِ وَلَوْ أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ نَصًّا فَقَالَ: اجْلِدُوا وَلَا تُغَرِّبُوا وَعُرِفَ ذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي إيجَابِ التَّغْرِيبِ أَلَيْسَ يَكُونُ نَسْخًا فَكَذَا هَذَا وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إيجَابُ عِبَادَةٍ بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنَّ سُكُوتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ إيجَابِ عِبَادَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهَا ثُمَّ جَازَ إيجَابُ عِبَادَةٍ بَعْدَهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ هَاهُنَا أَيْضًا وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ زِيَادَةَ النَّفْيِ نَسْخٌ لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَعْلُومٌ ثُبُوتُهُ فِي الشَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>