للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلَمْ نَجْعَلْ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمُثَلَّثِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُسْكِرِ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْعِلَّةِ بِوَجْهٍ

ــ

[كشف الأسرار]

بِطَرِيقِهِ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنَّهَا نَسْخٌ لِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ فِي الْفَرَائِضِ الْمُقَدَّرَةِ تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَقَادِيرِهَا بِخِلَافِ زِيَادَةِ عِبَادَةٍ، فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَغْيِيرَ حُكْمٍ مَقْصُودٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ إنْ كَانَ نَسْخًا لَزِمَكُمْ أَنْ يَكُونَ إدْخَالُ نَبِيذِ التَّمْرِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ نَسْخًا؛ لِآيَةِ الْوُضُوءُ وَأَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ نَسْخًا لِمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلطَّهَارَةِ.

وَإِذَا أَثْبَتُّمْ ذَلِكَ فَكَأَنَّكُمْ أَجَزْتُمْ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِأَخْبَارٍ ضِعَافٍ وَلَمْ تُجِيزُوا بِأَخْبَارٍ صِحَاحٍ قَالَ: وَمَنْ زَادَ الْخَلْوَةَ عَلَى آيَتَيْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ وَتَكْمِيلِ الْمَهْرِ بِخَبَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ وَامْتَنَعَ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ كَانَ حَاكِمًا فِي دِينِ اللَّهِ بِرَأْيِهِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيذَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَشَارَ بِقَوْلِهِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ إلَى أَنَّ الْمَائِيَّةَ لَمْ تَزُلْ بِإِلْقَاءِ التَّمْرِ فِيهِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: ٤٣] فَلَا يَكُونُ نَسْخًا وَأَمَّا جَعْلُ الْقَهْقَهَةِ مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ مِنْ النَّوَاقِضِ فَنَظِيرُ إيجَابِ عِبَادَةٍ بَعْدَ عِبَادَةٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ وَأَمَّا تَكْمِيلُ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ فَثَبَتَ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: ٢١] وَبِدَلَائِلَ أُخَرَ عُرِفَتْ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ لَمْ يَجْعَلْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] .

وَعُمُومَهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ فَكَانَ تَقْيِيدُ الْقِرَاءَةِ بِالْفَاتِحَةِ نَسْخًا لِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْنِي وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِبَعْضِ الشَّيْءِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُثْلَثِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ ثُمَّ صَارَ مُسْكِرًا لَا يَحْرُمُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ هُوَ السُّكْرُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِشُرْبِ الْكَثِيرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ فَكَانَ شُرْبُ الْقَلِيلِ مُبَاشَرَةً بَعْضَ عِلَّةِ السُّكْرِ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْعِلَّةِ حُكْمُ الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّحْرِيمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ شُرْبُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا أَسْكَرَ الْجَرَّةُ مِنْهُ فَالْجَرُّ مِنْهُ حَرَامٌ» وَلِأَنَّ الْمُثْلَثَ بَعْدَمَا اشْتَدَّ خَمْرٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ لَا لِكَوْنِهَا نِيًّا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» وَلَوْ سَمَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا سَمَّاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِهِ وَهُوَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ كَانَ أَوْلَى.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا أَمْكَنَ بَيْنَ الْآثَارِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِبَعْضِهَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْبَعْضِ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِأَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الشُّرْبِ عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ، فَإِنَّ شُرْبَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ حَرَامٌ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>