ذلك الشريف حازما مدبرا، فوقعت بينه أيام مع الفرنسيين، انتصر في بعضها، وخذل في بعض، فلولا قلة الفرنسويين، وكثرة الصحارى والجبال، لقهروهم في أوَّل وهلة، ولولا رداءة سلاح أهل الصحراء، وعدم انتظامهم في أنفسهم، لدافعوهم سنين كثيرة، على أنهم ما دخلوا ادرار، منذ دخلوا تيججك، الا بعد سنين، وهما كالشيء الواحد، ولولا ما بعدهم الشيخ ماء العينين به من إنجاد السلطان، لسلموا لهم أيضا، فطال الروغان، فلما علم الشريف بعدم الفائدة، رجع إلى فاس، لان العرب لما طال عليهم الأمر، فنيت مواشيهم، وكابدوا كثيرا من الشدائد، فصاروا يهربون إلى افرانس ويصالحونهم، ثم بقيت تلاميذ الشيخ ماء العينين، وما انضم إليهم من شذاذ الناس وصعاليكهم، يناوشون الفرنسيين، حتى احتلوا مدن آدرار، فتركوا محاربتهم، ولجأ الشيخ إلى تيزنيت، من أرض سوس، وتوفى - رحمه الله - سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف.
[مبايعته للسلطان مولاي الحفيظ]
قدم الشيخ ماء العينين من السافية الحمراء، في جموع كثيرة، ليأخذ لهم المئونة والسلاح، من السلطان مولاي عبد العزيز، وكان إذ ذاك برباط الفتح. فلما وصل إلى نواحي مراكش، بلغه أن أهله بايعوا مولاي الحفيظ، وأن أهل المغرب، ناقمون على أخيه السابق، وتعرض بينه وبين مولاي عبد العزيز، وما أمكنه إلا أن يبايع مولاي الحفيظ، فقدم مراكش بجموعه، وبايع واحتفل به السلطان وأكرمه، والناس يخوضون فيما لا يعرفون حقيقته. فإن السلطان الحالي، كان يطفئ الفتن الداخلية، التي التهمت نارها المغرب، ولا يمكنه أن يلتفت إلى غيرا، ويكفي الشيخ ماء العينين، انه لم يعارضه في شيء مما يملك. أما أمره له بالرجوع عن فاس، فإنه لم يكن عن نية سيئة، بل لأن السلطان، كان محتاجا إلى أن يستنجد بافرانس، وهم يعادون الشيخ المذكور، وكان