[النابغة الغلاوي البكري]
لا أعرف اسم والده، والأغلب في ظني إنه ابن أخت الذي قبله، وهو من قبيلته أيضا. هو العالم الوحيد الذي اشتهر في قطره بالعلم والورع، سافر من ارض الحوض، يريد من يصحبه ليتعلم عليه، فكان كلما اجتمع بعالم وعرض عليه طلبه. يسأله العالم: أي فن تريد أن تقرأ، فلا يراجعه الكلام بعد ذلك. حتى لقي العلامة الشهير، وليّ الله أحمد بن العاقل الديماني، فقال له مش، كلمة يقولها العالم هناك للتلميذ، إذا أمره أن يبتدئ في درسه، فألقى عصا التسيار عنده، وجعل يعله من معينه الجاري، حتى تضلع منه. وكان لا يعجبه الشيخ خليل ولا شراحه، وله نظم تسمه: بو اطليحيه ينتقد به كتب الفقهاء ومنه:
فطرَّةُ ابن بونَ والخطاط ... كلاهما في غاية انحطاط
ولكن طرَّة ابن بون في النحو، ولا بأس بها، وقد طبعت بمصر. ولم نسمع له بطرة في الفقه، ولما مات شيخه المذكور، رثاه بأرجوزة أشطارها الأخيرة من
الألفية. وهذا بعض ما أتذكر منها:
يا أسفَ الدين وكلّ عاقل ... على وفاة شيخِنا ابن العاقلِ
يا أسفَ المنطقِ والكلامِ ... كم بها أصْبَحَ مِنْ كِلامِ
لموتهِ قد رِيعت ألف رَوْع ... على أصول الفقه والفروعِ
من ذا الذي يعرف سر الحرف ... فذاك ذو تصرُّفٍ في العُرف
من ذا الذي من بعده يقول مَنْ ... يِصِلْ إلينا يستعن بنا يُعَنْ
لما نَعوهُ وذكرت فضله ... كِلى بُكىً بكاَء ذاتِ عَضْلَهْ
وبتُّ ساهراً بليلٍ أليل ... مروع القلب قليل الحيل
قلت لجلد مُضْمَرٍ أيَّ جَزَعْ ... فلا تكنْ جَلْداً وتُضمرَ الجزَعْ
وقلتُ لما قال لي أين المفرْ ... أيا ابن أمي يا بن عميّ لا مفرْ
حياته عارضة وصفيّهْ ... فالغينَّ عارض الوصفيَّهْ
لو كان غير الله حيٌّ قد بقا ... لكان أولى من سواه بالبقا