من المدينة ليلا، وبعث عبده إلى أخته، فدخل عليها خفية، فخرجت إليه وألبسته كساء عندها، فسار بجنبها ولم ينته له أحد، فلما دخل زوجها طلب طعامه، فقالت له: عندك ضيف، فقال: أخرجيه إلى، ولم يظن إنه أخوها نفسه، فتباطأت عليه، فقال: هو آمن، ولو إنه فلان. فقالت: هو فلان. فسقط في يديه. فقال له: ما أفعل بهذه الجموع وبقومي، فإنهم موتورون محنقون، فأشار إليه بأن يتمارض، فمكث ثلاثة أيام يدعى المرض، وكان ضيفه خرج إلى رؤساء حسان سرا، وأعطاهم كثيرا من المال، فرجعوا بقومهم، ولما علم به أهل المدينة اخترطوا سيوفهم ليقتلوه، فتلقاهم أبناء أبوهم، ودافعوا عنه، لأن الرئيس الذي آواه منهم، فخيرهم رئيس أهل شنقيط المذكور، بين أن يرجعوا إلى دورهم ونخلهم، وبين أربعين دية، ولا شيء لهم في شنقيط. فاختاروا الديات، وتم الاتفاق بينهم.
[حرب أهل شنقيط وأهل وادان]
هذه الحرب واقعة بعد التي قبلها، وتقدم أن بين البلدين نحو يوم. وكان سكان وادان، من قبيلة كنته وإدولحاج، وكانوا كالشيء الواحد. فوقعت الحرب بين أهل المدينتين، ومن أصح ما نورد عنها، رسالة حرم بن عبد الجليل العلوي،
وقصيدته. وكان حرم المذكور موجودا إذ ذاك، وموضعه من العلم والورع معلوم، وهذا نصهما:
عفت والعياذ بالله معاهد الإسلام، وغدى المستضيئ بها في أعظم الغياهب والظلام، وصار سلوك مسالك الفسق فخرا بين الأنام، واشتد اشتداد كاهله، وبلغ أشده، وجاوز في كل المواطن حدَّه. وذاع فلم تدرك يد العَدَّ عدَّه. ولكن من أعظم ما سمعنا به في الزمان، ما فعلته وندمت عليه أهل وادان، وذلك أنهم مر منهم بأهل شنجيط رجلان، فقتلهما من غير يمالئ رجل قتلوا قبل أباه، وطالب الثأر منا ليس ينساه، فحاولوا ما صميم الشرع يأباه. فقلنا لهم: هذه دية مهذبة الوسط والنواح: