اعلم أن كنته. على ثلاث فرق، فرقة تسكن تكانت وهي معظمها، وفرقة تسكن الحوض، وأخرى في نواحي آدرار. وهي التي تملك سبخة اجِّلْ، التي يحمل منها الملح. وهي معظم تجارة أهل تلك البلاد. ما عدا أهل القبلة وتيرس. أما أولاد أبي السباع، فثلاث فرق أيضا. فرقة منهم في حوز مراكش. وأخرى في سوس. وأخرى في تيرس. وهذه الفرقة هي التي حاربت كنته. وكانوا يتحملون الأمور التي تبدو لهم منهم، حتى تفاقم الأمر. وكان أولاد أبي السباع مسلحين بسلاح جيد، يصل رصاصه من مسافة بعيدة، لا يصل منها رصاص غيرهم من أهل تلك البلاد، لأن سلاحهم يأتيهم من سوس. وأما سلاح غيرهم، فإنه رديء يأتيهم من فرانسة. فالتقت القبيلتان بموضع يقال له: تُرِينْ، فهزمتهم أبناء أبي السباع، ثم انتصرت أحيى من عثمان لكنته. فهزم الجميع للعلة المتقدمة. فصار أبناء أبي السباع، يغيرون على جميع الناس، لا فرق بين عدوّهم وغيره. ولا يعرض أحد دون ماله إلا قتلوه، فآل أمرهم إلى أن اشتبكوا مع الرقيبات، وكانوا متسلحين بسلاح مثل سلاحهم، فضعضعوهم، وألجئوا بقيتهم إلى القائد ابن هاشم في تازروالت، فأجارهم.
ولنتكلم هنا على بعض متعلقات الحرب في أرض شنقيط: أن الحرب في تلك البلاد لا تخلو عن ظلم، فإذا قتل فرد من قبيلة قتيلا من غيرهم، فلا ضابط عندهم في أخذ ثأر المقتول، فربما كان القاتل ملصقا في القبيلة التي هو فيها، فيؤخذ في جريرته الصميم.
وعرب الحجاز في هذا، أضبط خطة من أهل شنقيط، زواياهم وحسانهم. فإن الحجازي إذا قتل قتيلا، لا يخاف أحد من أقاربه، ما دام غير نتغيب، وتمشي بينهم السفراء لإعطاء المهلة، فيمهلونهم شهرا مثلا، أو نحوه. فإذا انقضت المدة، ربما جددوها أيضا. وفي أيام الأمن: أن لقوا القاتل فلا يغيرونه. فإذا تغيب القاتل: لا يؤخذ به من كان يجتمع معه في النسب، فوق الأب الخامس.