بأن لا حاجة له في الأوراق، فضاع سفره بغير فائدة، ثم إن أُسكار ملك السويد والنرويج، بعث إلى السلطان، ان يبعث إليه وفدا من أبناء العرب، يسألهم عن أشياء في القرآن، وعن أشعار العرب، وأن يكون فيهم محمد محمود الشنقيطي. فبعث إليه السطان بأن يتهيأ للسفر. فقال: لا، حتى تعطوني مكافأة أتعابي. فغضب عليه السلطان، وأمره بالسفر إلى المدينة.
[خروجه من المدينة]
تقدم أن أهل المدينة، صاروا يداً واحدة عليه، ما عدا عبد الجليل برادة رحمه الله، فإنه لم يزل يواليه ويحتمله، إلى أن أتفق إنه دخل على جماعة ممن يعاديه. وكان عبد الجليل قاعدا بينهم، فلم يقم إليه أحد منهم، وما قام عبد الجليل أيضا. فقال: هو بال حمار، فاستبال أحمره. فغضب عبد الجليل، حيث جعله حماراً في وجهه، ثم اتهم اتفقوا على إخراجه من المدينة، وكلموا الوالي في ذلك، فبعث إليه: لئن أصبح في المدينة، لأفعلن به كيت وكيت. فخرج ليلا، وشيعه الأديب الفاضل، محمد بن عبد الرحمن القاضي، وأمين برى شيخ الفراشين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد المخرج، رحم الله الجميع. وترك كتبه وجاريته، وعند أمين برى، وسار إلى مصر، ونزل عند نقيب الأشراف السيد توفيق البكري، فأكرم منزله واستأجر له بيتا، وأجرى عليه خمس جنيهات في الشهر، وبعث أحد أعوانه إلى جاريته وكتبه، ومصروف الكل من عنده. ثم جمع عليه شمله، وكان السيد البكري يشرح إذ ذاك أراجيز العرب، فطبعها فلما تم طبعها، ادعى محمد محمود إنه اغتصب شرحه ونسبه إلى نفسه، ورفع عليه قضية، ففشل فيها. والحق أن السيد البكري، لا يعجز عن تأليف مثل ذلك الشرح، وقد ألف ما هو أحسن منه.
على أنا لو فرضنا إنه لمحمد محمود، لكان الواجب عليه أن يتركه له، لكثرة إحسانه عليه. فذلك سبب النفرة بينهما، ثم