يستغرق يومه كله في التدريس، لأن الشيخ عندهم، لا يلزم الطلبة أن يشتركوا في درس واحد، من فن من الفنون، فتراه مثلا يدرس لعشرة من التلامذة الألفية، فبعضهم يقرأ من أولها، وبعضهم يقرأ من وسطها، وبعضهم يقرأ من آخرها، ويلقى لكل درسه من موضعه الذي يليق به. وهكذا في الفقه وغيرهما من العلوم، وقد يضم أشخاصا في محل واحد من فن واحد، ويضم آخرين في محل منه آخر، ويسمون المشتركين في الدروس: دولة.
أما ما يكابده العالم من مشاق الدنيا، فهو إنه يكون موردا للضيوف وللمستفتين ولطالب الحاجة، وليس للقاضي ولا للمدرس، هناك أوقاف تصرف عليهما، ولا يأخذ أحدهما من الطلبة، بل قد يعطيهم من يده، والمفتى أيضا لا يأخذ شيئا في مقابلة الفتوى. وقد يكون لبعض العلماء ما يسمونه: كبط. أي عطية، يعطيه إياها حسان، أو اللحمة، أو الأحراطين، أي المعتقين. وهذه العطية: شاة من الغنم على كل ذي غنم، أو إمداد من الزرع، على كل ذي حرث، وهذا النوع قليل جدا بالنسبة إلى من لا يأخذ شيئا. وإذا ظلم حسان أحدا ممن ينسب إليه، يذهب في طلب استرداد ما أخذ، وربما جلس في استرداد ذلك سنة أو نصفها.
[كيفية إلقاء الدرس عندهم]
لا ضابط للهيئة التي يلقي عليها المدرس عندهم، فتراه يدرس مرة ماشياً مسرعاً، ومرة جالسا في بيته، ومرة في المسجد، ومنهم من يدرس في أثناء الارتحال، من جهة إلى أخرى، سواء، كان ماشيا، أو راكبا، وقد يكون راكباً، والطلبة يمشون على أقدامهم في ناحيته.
[تأديب المدرس للطلبة]
إذا بلغ الشيخ أن أحد التلاميذ أساء، فإنه يعاتبه برفق، بأن لا يلتفت إليه