غيرهم. فإذا حكم القاضي: فإن الحكم نافذ بنفسه، لا يقدر المحكوم عليه أن يمتنع، إلا إذا أوعز إليه أحد العلماء، فإن ذلك المحكم غير صحيح، فإنه يطلب نقضه، وربما مكثت
القضية بهذا سنين حتى يتفق رأى العلماء فيها.
[البيع والشراء في شنقيط]
أما كيفية البيع في الزوايا: فإنها على الشريعة. وإذا ظهر فيها ما يخالف مذهب الفقهاء، يقال: هذا بيع فاسد، فيفسخ بعد فتوى أحد العلماء بذلك. وأما حسان: فأغلب عقودهم فاسد، كما وصف به ابن الشيخ سيدي أبناء دليم، في قصيدته المتقدمة، لمَّا كان يشكو مقامه بين أظهرهم، فقال:
سكناه بين أناس جل عقدهم ... بيع الملاقح أو بيع المضامين
وقد تقع حروب قلمية بين العلماء في هذا الشأن، كل يؤيد أقواله، وقد مضى في هذا الكتاب، ما يدل على ذلك.
[ما بقي من الشريعة في شنقيط وما ذهب أثره]
الزوايا لم يفتهم من الشريعة إلا القصاص، فإنه ذهب بالفعل، إلا أن القتل فيهم نادر جدا. لكن إذا وقع، يصعب الانقياد فيه إلى القود. فإما أن يتفقوا على دية، وإما أن يتحاربوا، وكل المسائل الشرعية فيهم قائمة غير هذا.
وأما حسان، وأكثر اللحمة: فلا يهابون بيعا فاسدا، ويشهدون الزور، ولا يبالون بالأيمان الكاذبة، ولا يقيمون حدا من حدود الله، ولا ترث الأنثى عندهم، ولا يتقون مال اليتيم. فإذا بلغ يقولون: مال هذا حرام. يعنون إنه لا يقبل أكله. وكثير من علماء الزوايا: يرى أن أموال حسان غير معصومة، لأن الكفارات استغرقتها، سواء في ذلك حسان، واللحمة. وتزيد حسان، بأن جميع ما تملك، مأخوذ من النهب والغصب والمكس. فلذلك تراهم لا يكفنون موتاهم فيما يملكون، بل يسألون الكفن لأحد الزوايا.