وابتداء عمارة هذا، إلى زوال عمارة ذاك، أربعون سنة. وكان في شنجيط أحد عشر مسجدا، بالمسجد العتيق العامر اليوم، وله اليوم نيف وأربعمائة سنة، والناس يقولون إنه من المدائن السبع، ولا أدري ما المدائن السبع، ولما اختصت بالسبع دون سائر المدائن. فإن كان المراد أنها هي الموجودة زمنه صلى الله عليه وسلم، فالموجود إذ ذاك أكثر. والمراد آبير: لأنه هو القديم، لكنهما كالبلد الواحد.
وكان الركب يمشي من شنجيط إلى مكة كل عام، ويتعلق بهم كل من أراد الحج من سائر الآفاق، حتى إن أهل هذه البلاد، أعني من الساقية الحمراء إلى السودان، إن رووا، لا يعرفون عند أهل المشرق إلا بالشناجطة إلى الآن، وقد تحج الدار
منهم كلها، حتى لا يبقى فيها صغير ولا كبير، من شدة اعتنائهم بالحج، ويحجون من قدروا عليه. وقد بلغنا أن الحاج محمد أحمد، والد أبي كساء أنفق في الحج على أربعين نفسا من غير عياله، وحملها لله تعالى. وقد كان العلويون يقدمون من كان معهم من الزوايا للإمامة، فكانت أولا للسماسدة، ثم جعلوها للأغلال، فتغيروا من ذلك وخرجوا من شنجيط، فذلك سبب خروج السماسدة من شنجيط. وخرج يوما من شنجيط، اثنان وثلاثون ألف جمل موقرة بالملح عشرون لأهله، واثنا عشر لأهل تيشيت. وباعت الرفقة كلها في زار. فتعجب الناس أي البلدين أعمر، مع اتفاق الكلمة، وكانوا إذا مات شيخ، رأسوا عليهم آخر. فبقيت دولتهم بشنجيط دولة دين ودنيا، ثلاثا وثمانين سنة، مدة حياة الشيخ سيدي أحمد بن الوافي فلما توفي، وقعت الحرب بينهم، واعتزل الفتنة من اعتزلها فمنهم من خرج شذر مذر. ومنهم من بقي مع اعتزاله إياها، حتى انقضت الحرب بين أهلها، وقد قتل بتلك الحرب، مائة وأربعون من البيض وما بقي من الكحل، وكانوا