نعى محمدنا الناعي فقلت له ... هلا عطفت عليه العلم والعملا
ومنها يخاطبه:
يا هالكا وقسيُّ الموت ما برحت ... ترى وأغراض رامى نبلها النُّبَلاَ
إن تعتبرها قنى أم اللُّهَيْم لكمْ ... نفست معضلها المرهوب أن نزلا
أوسرت عن هذه الدنيا الغداة لقد ... سارت مزاياك في أقطارها مثلا
نفاد زادك من دنياك زودنا ... حزنا وإن كنت مسرورا به جذلا
ووردك الموت روانا الزعاقَ وإن ... رواك مورده الصهباء والعسلا
ومنها يخاطب قومه، وكانوا يلقبون بحلة أربعين جوادا:
يا أربعين جوادا أن حسبكم ... لطف المهيمن فلترضوا بما فعلا
ولْتذكروا الرزء لا ضاعت أجوركم ... بخاتم الرسل تنسوا خاتم الفضلا
ولما نبغ محمد، طار صيته في ذلك القطر، وكان صغير السن يدهش الناس بسلاقته وحدة ذهنه. ولما كان محمد بن الطلب المشهور في تلك البلاد موجودا إذ ذاك، فاجتمع به يوما، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
فيمنْ أهيم بها لاموا ولوْ هاموا ... بمن أهيم بها يوما لما لاموا
هامَ الفؤاد بمن لولا ملاحتها ... ما سفّهتْ من ذوى الأحلام أحلامُ
هامَ الفؤاد بخيتِ الناس بحت بها ... إذ في الكناية تلبيسٌ وإبهامُ
حتى أتى على آخرها، فقال له امحمد المذكور: الحمد لله الذي جعلك في غير زمني، وكان امحمد إذ ذاك شيخا كبيرا. ولما حدقت إليه العيون، نزعته أعراقه إلى طاعة الله والتفكر في أمر الآخرة، فاشر أبت نفسه إلى حج بيت الله الحرام وزيارة نبيه صلى الله عليه وسلم، فوازره على ذلك صديقه وابن عمه، سيدي أحمد بن حرمة ابن الصبار العلوي، وكان فاضلا عاملا. وكان لهما ابن عم آخر، فوافقهما على ذلك ثم بدا له فيه، فجلس وجعل يثبط همة محمد فقال فيه:
يا مُشفقاً من رحيلي لجَّ في كمدِ ... هل أنت من دون ربي آخذ بيدي