للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما وصلته الأبيات، استغرب ذلك، لأنه لم يتكلم بما يمس كرامة صاحبها، فأمر رجلا كان معه أن يكتب، فأملى عليه ارتجالا أربعين بيتا في ذلك البحر والروي. وكان يملي بيتاً فيكتبه بسرعة، فيأتي بغيره قبل تمام نسخه. ولما بلغت باب

المتقدم الذكر، محا بعضها وأقسم عليه أن لا يتفوه به، حفظا لكرامة ابن الشيخ المذكور. والقصيدة هذه:

منى إلى ابن كمال الدين من خَلَفا ... بين الورَى أحمدَ المختارَ والخُلفَا

أزكى سَلاَمٍ يُحاكي حُسْنَ سيرتِه ... وطيبَ شيمته لا روْضة أنفا

سِيديَّ قطبِ رحا أهل المعارف مَنْ ... أمسى يُجَدّدُ رسْم الدين حين عَفا

ما زال مُذْ عقدت منه الإزارَ يدٌ ... صبًّا مشوقا بأبكار العُلى كِلفا

فنال منزلةً تعلو السعود إلى ... أن صارَ للناس من داءِ القلوب شِفا

اعْلَمْ أيا خِلُّ أني لستُ حاسِدَ كم ... وأنَّ مني لكم محضُ الوِدَادِ صَفا

لا تَسْمَعَنْ ما وَشَى بعض الوُشاةِ به ... وَاسْمَعْ مقالي فليْسَ الأمر ما وُصِفا

إذ قد حكى البيتَ راويهِ على حِرَفٍ ... فقلت مستفهما لا منكراً حِرَفا

وهل سمعتم بحرف جمعهُ حِرَفٌ ... قد كان ذاعنْ قياسِ الجمع منحرفا

ما كان من شيمتي نكرٌ على أحدٍ ... يأبى لِيَ النُّكرَ طبْعٌ منهُ قد أنِفا

ولا مُجَاناةُ أرْبابِ الجفا شُغُلي ... مثلي إذا ما جفا حِلْفُ الجفا صدَفا

وإن أتى صائلا ذو الضعف يوعدني ... فاللهُ يعصمني من صولة الضُّعَفا

قد سرَّهُ جريه في الفقر منفرداً ... فظن سرعتَهُ فيه وقد دَلفا

أقصر بطرفك لا تطمحْ إلى به ... فشأن من ليس يدرى الجريَ أن يقفا

ومن يخض لجة القاموس ليس له ... فُلكٌ تقيهُ من الألحانِ قد تلفا

أهدى إلى من الأشعارِ مضحكة ... للخلق أودعها من لحنه كِسَفا

إذ صَيَّر الهمز همز القطع متّصلاً ... وقال جلوي وجلوا ثمَّ ما ألِفا

<<  <   >  >>