موجودا عندهم، طلب منهم الإتيان به لينظر إليه يومه. فإن لم يكن فيهم، ارتحل عنهم، ولا يترك يومه ضائعا.
وكان يبرى النبال، فيصطاد بها الوحش، لشغفه باقتفاء العرب. وكان مولعا بأرض تيرس، ولا تكاد تجد موضعا منها، إلا وله ذكر في شعره. وكان له شهرة عظيمة عند الزوايا، وحسَّان صاحب وجاهة فيهم، وهو من الحلماء المشهورين.
وكان يوما في مسجد قومه ومعه رجالهم، فقدم عليهم ناس من أبناء دُليم، فطلبوا منهم جملا، وهذا الطلب يسمى مداراة في عرفهم، فكل الناس أحب أن يتولى دفع الجمل غيره، وإن كان بحسب العرف يقسم على الحاضرين، فيدفعون قيمته لصاحبه من الغنم واللباس، فدفع هو جملا عنده لا يملك غيره. فقال له أحد
أقاربه: عن أي شيء تدارى؟ فقال: عن مائة ناقة هنا، وضرب صدره، يشير إلى إنه غنى النفس. وقال له: يا فلان، أن فقري قطعت به غنا فلان وفلان؛ وسأقطع به غناك أنت.
وكلمهم يوما في مسجدهم، رجل غريب يطلب جملا يبلغ عليه بلاده، فلم يجبه أحد، فأعطاه هو جملا ليس له غيره. كان أعطاه إياه أحد أقاربه، فلامهُ بعض الناس، فقال له: أبا لا أعجز أن أعطي شيئا أعطاه فلان. وبالجملة فامحمد هذا، حسنة من حسنات الدهر، لا نزاع في ذلك.
أما جودة شعره، وكونه لا يقل عن شعر العرب العرباء. فإنها محسوسة لا تحتاج إلى تصديق فلان وفلان. وقال يوما بعد ما نظم جيميته الآتية، وأبرزها للناس: أرجو من الله أن أقعد أنا والشماخ بن ضرار، في ناد من أهل الجنة وننشد بين أيديهم قصيدتينا، لنعلم أيهما أحسن، وهاهي جيميته:
تَطاوَلَ ليلُ النازعِ المُتهيّج ... أما لضياءِ الصُّبح مِنْ مُتبلَّجِ