للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يؤثر نفسه بمال أو راحة على أصحابه، وقد رأيت كيف ساوى نفسه مع أصحابه حتى في اعتقاب الإبل والمشي على الأقدام.

وشاور أصحابه حين بلغه خبر خروج قريش، وسمع رأي المهاجرين والأنصار في لقاء المشركين وقبل مشورة أحد أصحابه في تبديل معسكره في (بدر) حين نزل بأدنى ماء منها، فانتقل بالمسلمين الى حيث أشار الحباب، وغوّر القلب وبنى حوضا على القليب الذي أتاه؛ واستشار المسلمين في أمر الأسرى بعد المعركة، وعمل بالرأي الذي أبداه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومشايعوه.

تلك مزايا القائد المثالي في كل زمان ومكان.

ولا بدّ للقائد من مقرّ يسيطر منه على المعركة، فبنى العريش فوق رابية مشرفة على ساحة المعركة، وكان لمقره حرس بإمرة آمر مسئول.

كل ذلك جعل المسلمين يقاتلون كرجل واحد، لغاية واحدة، بقيادة قائد واحد ... وهذا عامل مهم من عوامل النصر في كل حرب: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) «١» .

أما المشركون فلم يكن لهم قائد عام: كان أكثر سراة قريش مع قوات المشركين، ولكنّ البارزين من هؤلاء على ما يظهر هما رجلان: عتبة بن ربيعة وأبو جهل، وقد رأيت كيف أنهما لم يكونا على رأي واحد ولم يكن لهما هدف واحد، بل إنهما كانا أقرب الى العداوة منهما الى الإخاء.

لذلك فقد طغت الأثرة الفردية على المصلحة العامة أثناء القتال، وحاول كل رجل من رجالات قريش أن يظهر نفسه بطلا لتتحدث العرب عنه، دون أن يكترث بأثر ذلك على نتائج المعركة.


(١) - الآية الكريمة من سورة محمد ٤٧: ٧.

<<  <   >  >>