للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يقال عن ذلك يقال عن سرايا القصاص التي بعثها الرسول صلّى الله عليه وسلم لمحاسبة الغادرين الآخرين.

لقد كان قصاص المسلمين من يهود ومن غيرهم ضروريا عادلا.

٤- العقيدة:

ظهر لنا في هذه الفترة من جهاد النبي صلّى الله عليه وسلم، أثر العقيدة في توحيد الصفوف للعمل للمصلحة العامة وحدها، وأثرها في اندفاع المسلمين كل يسابق أخاه الى الشهادة، وأثرها في جعل المسلم يحاسب نفسه على ما اقترفه من ذنب لا يعلم به أحد غيره من الناس.

طلبت بنو قريظة من المسلمين حضور أبي لبابة بن عبد المنذر ليستشيروه، وقد كان أبو لبابة حليفا لهم في الجاهلية وصديقا شريفا لا يشكون في إخلاصه، فبعثه الرسول صلّى الله عليه وسلم إليهم؛ فاستقبله الرجال والنساء والأطفال بالبكاء والعويل، فأثر ذلك في نفسه انسانا. واستشاره يهود: أينزلون على حكم محمد؟ .. فقال لهم: (نعم) . وأشار الى حلقه كأنه ينبّههم الى أن مصيرهم الذبح.

ولكنّ أبا لبابة أدرك لفوره أنه خان النبي صلّى الله عليه وسلم ب (إشارته) تلك، وأنه خضع لشعوره العاطفي لا لعقيدته الملتزم بها فيما وقع منه، فمضى هائما على وجهه نادما حتى وصل مسجد المدينة، فربط نفسه الى سارية فيه، وحلف: لا يفكّ نفسه حتى يتوب الله عليه.

وبقي على حاله هذا متشفعا بالرسول صلّى الله عليه وسلم حتى تاب الله عليه.

لم يعرف أحد ب (إشارة) أبي لبابة الى حلقه حين استشاره يهود في الاستسلام، ولم تكن إشارته هذه نتيجة تدّبر وتفكير، ومع ذلك لم يستر أبو لبابة فعلته هذه وأعلنها للناس جميعا وعاقب نفسه بنفسه عقابا صارما، مما يدّل على عقيدته الراسخة وإيمانه العميق.

<<  <   >  >>