هذا النوع من القتال، هو شأن من الشئون الداخلية للمسلمين، فقد فرض القرآن الكريم حالة بغي وخروج على النظام العام تقع بين طوائف المسلمين بعضها مع بعض، أو بين الرعية وراعيها، فوضع لها تشريعا من شأنه أن يحفظ على الأمة وحدتها وعلى الهيئة الحاكمة سلطانها وهيبتها، ويقي المجموع شرّ البغي والتعادي:(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)«١» .
هاتان الآيتان الكريمتان تفرضان حالة اختلاف يقع بين طائفتين من المؤمنين، ولا يستطاع حله بالوسائل السلمية، فتلجأ كل منهما الى القوة، فتوجب هاتان الآيتان على الأمة ممثلة في حكومتها أن تنظر فيما بين الطائفتين من أسباب الشقاق، وتحاول الإصلاح بينهما؛ فان وصلت الى ذلك عن طريق المفاوضات وأخذ كل ذي حق حقه، ورد البغي واستقرّ الأمن، فقد كفى الله المؤمنين شرّ القتال؛ وإن بغت إحداهما على الأخرى، واستمرّت على العدوان، وأبت أن تخضع للحق وتنزل على حكم المؤمنين، كانت بذلك باغية خارجة على سلطة القانون متمردة على التشريع الإلهي والنظام؛ فيجب على جماعة المسلمين قتالها، حتى تخضع وترجع إلى الحق.
إن القصد من هذا التشريع، هو المحافظة على وحدة الأمة، وعدم إفساح المجال لتفرقها، لذلك فهذه الحرب طريق (للسلم) وقضاء على البغي والعدوان.
(١) - الآيتان الكريمتان من سورة الحجرات ٤٩: ٩- ١٠.