قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم البقاء في المدينة المنورة، وأمر بحفر الخندق، وانتخب منطقة الحفر في السهول الكائنة شمال المدينة، ووزّع أعمال الحفر بالتساوي بين أصحابه، وسيطر على العمل، فلا يستطيع أحد ترك واجبه إلا بأمر منه، حتى أنجز أعمال حفر الخندق قبل وصول المشركين الى المدينة المنورة.
واشتغل هو بنفسه بالحفر كبقية أصحابه تماما، بل استأثر دونهم بالأماكن الصلبة في منطقة حفر الخندق التي لم يستطع أصحابه التغلّب عليها، كفلق الصخور القاسية!!
ثم قسّم واجبات احتلال الموضع بين أصحابه، بحيث لا يغفل أحد عن شبر من الخندق ليلا ونهارا، على الرغم من برودة الطقس؛ وقد كان هو بنفسه لا يترك مقرّه إلا ليقوم بتفتيش الحرّاس والمواضع الدفاعية وليحرض المؤمنين على القتال ويرفع من معنوياتهم.
وأمّن حرسا قويا للذراري الذين تركهم في دور المدينة.
وأهم من ذلك كله سيطرته على أصحابه عندما تأزّم الموقف حين وصلت الأحزاب الى ضواحي المدينة بقوات متفوقة على المسلمين، وحين نكثت قريظة عهدها، فأصبح الخطر يهدّد المسلمين من داخل المدينة وخارجها.
٢- تعبئة جديدة:
استفاد المسلمون من حفر الخندق للدفاع عن المدينة المنورة، وهذا الأسلوب الجديد من أساليب القتال يدخل في أساليب العرب الحربية لأول مرة في التاريخ.
إنّ القائد العبقري هو الذي يستخدم أسلوبا جديدا أو سلاحا جديدا في القتال، والخندق هو الأسلوب الجديد الثاني الذي استخدمه الرسول صلّى الله عليه وسلم في القتال، بعد أن استخدم أسلوب الصفوف في معركة (بدر) كما رأينا.