توخي الهدف مبدأ من مبادىء الحرب المهمة، وهو أن نعرف هدفنا تماما ونفكر بأقوم الطرق لتحقيقه، ثم نقرّر خطة مناسبة للحصول عليه وننفذ تلك الخطة جاعلين هدفنا الرئيس وحده نصب أعيننا دون أن تعيقنا أو تغيّر من خطتنا الأهداف الثانوية الأخرى.
وقد برز مبدأ توخي الهدف لدى الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية بأجلى مظاهره حتى يمكن أن تكون دروس هذه الغزوة من أروع الأمثلة المفيدة للذين يريدون أن يفهموا معنى توخي الهدف.
قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ مغادرته المدينة ألا يحارب قريشا، بل يبذل كل جهده للتفاهم معها، إلا اذا لم يجد مناصا من القتال ...
ووضع هذا الهدف نصب عينيه دائما.
خرج محرما، واستصحب أسلحة الراكب وهي السيوف في القرب؛ فلما علم من دوريات استطلاعه اعتزام قريش على قتاله، أصرّ على (السلم) ، فخرج عن الطريق العام الى طريق فرعية وعرة شديدة الوعورة، مما جعل أصحابه يكابدون المشقات عند قطعها؛ ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم يهدف من الخروج عن الطريق العام إلا التملص من اصطدام أكيد بطلائع قريش، لأن المكوث في موضع (عسفان) الذي وصله المسلمون، يؤدي الى اصطدام الفريقين، لاندفاع خيالة قريش أمام قواتها الأصلية واقترابها من مواضع المسلمين. ولو انسحبت قوات المسلمين إلى الخلف باتجاه المدينة، لطاردتهم قوات قريش أيضا، وفي هاتين الحالتين سيحصل الاصطدام الذي لا يريده الرسول صلوات الله وتسليمه عليه.