حاول قسم من متعصبي قريش أن يهاجموا معسكر المسلمين، وفعلا هجم ما يقرب من خمسين مشركا على المسلمين، ولكنّ المسلمين استطاعوا أسرهم جميعا، فأطلقهم الرسول صلّى الله عليه وسلم حتى يثبت نياته السلمية عمليا ولا يترك حجّة لقريش تتشبث بها لتجميع العرب ضد المسلمين.
٣- المفاوضات الابتدائية:
أ- المشركون:
أرسلت قريش مكرز بن حفص ليرى موقف المسلمين، فعاد إليهم ليخبرهم أن محمدا لم يأت مقاتلا، وإنما جاء زائرا لهذا البيت.
وأرسلوا بعده الحليس بن علقمة سيد الأحابيش «١» ، فلما رآه الرسول صلّى الله عليه وسلم قال:(إن هذا من قوم يتألهون (أي إنه متدين) فابعثوا الهدي أمامه ليراه) .
رأى الحليس الهدي في الوادي فعاد الى قريش قبل أن يصل الى الرسول صلّى الله عليه وسلم إعظاما لما شاهد، وأخبرهم بما رأى، فأجابوه:(اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك) . فاستشاط الحليس غضبا وصاح:(يا معشر قريش! والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلّن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد) ... فرجته قريش أن يكفّ عنها حتى تفكر في الأمر!
ورأت قريش أن توفد عروة بن مسعود، وهو من سادات ثقيف وهو رجل
(١) - الأحابيش: أحياء من العرب رماة، سموا بذلك لاسودادهم أو نسبة الى حبشي (بضم الحاء وسكون الباء) جبل بأسفل مكة. وهم خلائط من العرب يتبعون كنانة بن خزيمة.