والقائد العبقري هو الذي يحاول أن يباغت خصمه حتى يقضي عليه ماديا ومعنويا، لأن المباغتة الناجحة تشلّ حركة العدو وتقضي عليه كليا.
لقد طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم كل أساليب المباغتة؛ فقد رأينا كيف باغت الأحزاب بأسلوب جديد في القتال هو حفر الخندق، كما رأينا كيف أنه باغت قريشا بالقتال بأسلوب الصفوف في غزوة (بدر) الحاسمة.
وفي غزوة بني قريظة باغت يهودا بالزمان في حركته بسرعة ما كانوا ليتوقعوها، فشلّ معنوياتهم واحتفظ بالمبادأة بيده حتى نهاية المعركة.
وفي غزوة بني لحيان تحرك شمالا باتجاه الشام حتى لا يعرف بنو لحيان وقريش اتجاه حركته الحقيقية، وبذلك باغتهم بالمكان.
إنّ المباغتة أهم مبادىء الحرب قديما وحديثا، وقد حرص المسلمون على تطبيق هذا المبدأ في أكثر غزواتهم، مما ساعدهم على النصر.
٣- القصاص:
القصاص العادل الذي أصاب بني قريظة بعد استسلامهم، يقرّه كلّ إنسان واقعي سليم التفكير منصفا.
لقد طعن يهود المسلمين في أحرج وقت من أوقات محنتهم، ولو لم يكن هناك عهد بينهم وبين المسلمين لهان الخطب ولوجدنا بعض العذر لهم، ولكنّ أي عذر لهم وقد خانوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين في مثل تلك الظروف العصيبة؟ وأحب أن أتساءل: لو نجح الأحزاب في غزوة الخندق، فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟ ألم تكن عاقبة المسلمين الإبادة والتمثيل؟ فلماذا لا يبيدون الذين حاولوا معاونة أعدائهم على إبادتهم؟ لقد أفسح المسلمون المجال أمام بني قينقاع وبني النضير من يهود للجلاء الى (خيبر) والى ضواحي الشام، فماذا كانت النتيجة؟ أثار يهود الذي عفا عنهم النبي صلّى الله عليه وسلم الأحزاب وحشدوهم أمام خندق المدينة للقضاء على المسلمين.