شرع قتال المسلمين لغير المسلمين لرد العدوان على بلاد المسلمين وحماية الدعوة، وحماية حرية انتشار الدين، والقرآن الكريم حينما شرع القتال نأى به عن جوانب الطمع والاستئثار وإذلال الضعفاء، وتوخّى به أن يكون طريقا الى السلام والاطمئنان وتركيز الحياة على موازين العدل والإنصاف.
وليست الجزية عوضا ماليا عن دم أو عقيدة، وإنما هي لحماية المغلوبين في أموالهم وعقائدهم وأعراضهم وكرامتهم وتمكينهم من التمتع بحقوق الرعاية مع المسلمين سواء بسواء ... يدل على ذلك أن جميع المعاهدات التي تمت بين المسلمين وبين المغلوبين من سكان البلاد، كانت تنصّ على هذه الحماية في العقائد والأموال. وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لصاحب (قسّ الناطف) :
(إني عاهدتكم على الجزية والمنعة ... فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم)«١» .
لقد ردّ خالد بن الوليد على أهل (حمص) وأبو عبيدة على أهل (دمشق) ، وبقية القواد المسلمين على أهل المدن الشامية المفتوحة ما أخذوه منهم من الجزية حين اضطر المسلمون الى مغادرتها في ظروف حربية صعبة، وكان مما قال القواد المسلمون لأهل تلك المدن:(إنا كنا قد أخذنا منكم الجزية على المنعة والحماية، ونحن الآن عاجزون عن حمايتكم، فهذه هي أموالكم نردها إليكم) .
لقد كان فرض الجزية في الاسلام أبعد ما يكون عن الاستغلال والطمع في أموال المغلوبين، إذ كانت تفرض بمقادير قليلة على المحاربين والقادرين على العمل فحسب، وكانت على ثلاثة أقسام: أعلاها وهو (٤٨) درهما في السنة على
(١) - أنظر ايضا نص ما جاء عن الجزية في وثيقة خالد بن الوليد التي صالح بموجبها أهل الحيرة في الخراج لأبي يوسف ١٤٦، والأم للامام الشافعي ٤/ ٩٧- ٩٨. وانظر التفاصيل عن الجزية في خاتمة هذا الكتاب.