وحكم سعد بن معاذ على بني قريظة بأن يقتل الرجال وتسبى الذرية وتقسم الأموال يدلّ على عقيدته الراسخة أيضا.
لقد كان سعد سيد الأوس حلفاء بني قريظة في الجاهلية، وقد توقّع يهود أن تنفعهم هذه الصلة القوية عند الحكم عليهم، كما توقّع الأوس أيضا أن يتساهل سعد مع أصدقائهم وأصدقائه الأقدمين، بل استقبله الأوس حين قدومه للحكم هاتفين: يا أبا عمرو! أحسن في مواليك.
وقد أحسنت الخزرج قبل ذلك في مواليها من يهود عندما استسلموا للمسلمين، فلماذا لا يحسن الأوس الى مواليهم مثلما أحسن الخزرج؟
ولكنّ سعدا صاح بقومه وقد أكثروا عليه الرجاء:(قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم) ...
وأصدر سعد حكمه العادل غير متأثر بالأهواء بل بعقيدته الراسخة فقط وإيمانه العظيم.
وماذا يعني دخول عبد الله بن عتيك وحده الحصن الذي يسكنه اليهودي أبو رافع بن أبي الحقيق في وسط أهله وعشيرته، وتعريض عبد الله نفسه للخطر الداهم، بينما أبقى أصحابه خارج الحصن في أمان؟
هل يعني هذا العمل إلا استئثار القائد لنفسه بالخطر دون أصحابه طمعا في الشهادة، وقد كان بإمكانه أن يبعث أحد أصحابه لينهض بهذا الواجب، ولكنه آثر أن ينهض بنفسه بهذا العمل كله، فنجح في القضاء على ابن أبي الحقيق، والتحق بأصحابه ليلا بعد أن كسرت رجله أثناء نزوله من سطح الحصن ...
هذه الأمثلة التي ظهرت لنا في هذه الفترة من حياة المسلمين ومثلها كثير، تدلّ بوضوح على رسوخ العقيدة في نفوسهم، مما جعلهم يستهينون بكل شيء في سبيل عقيدتهم.