ونظّم خطّة القتال، فانتخب مواضع الرماة لحماية ظهور المسلمين، وخصّص لهذه المواضع قوة كافية للدفاع عنها بإمرة قائد مسئول.
إنّ كل ذلك على أهميته لا يعتبر شيئا بالنسبة الى ظهور عبقرية قيادته عليه أفضل الصلاة والسلام في أثناء القتال خلال الصفحة الثانية من معركة (أحد) حين طوّق المشركون المتفوقون بالعدد الى خمسة أمثال المسلمين، قوة المسلمين القليلة، بعد أن انهارت معنويات الكثيرين منهم لما سمعوا خبر مقتل الرسول صلّى الله عليه وسلم في المعركة، فلجأوا الى الهضاب بعيدا عن ساحة المعركة، وبقي مع الرسول صلّى الله عليه وسلم شرذمة قليلة من المسلمين يقاومون وحدهم زخم هجوم قريش في أوج قوته وعنفوانه وفي قمة انتصار قريش.
لقد استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الموقف الصعب للغاية بالنسبة للمسلمين الموفّق للغاية بالنسبة للمشركين، أن يسيطر على الموقف في معركة يائسة جدا، ويقود الباقين من المسلمين لشق طريقهم من بين القوات المعادية المتفوقة المحيطة بهم، ثم يحتل موضعا مشرفا، ويقوم بإعادة تنظيم قواته الباقية ويعيد إليها معنوياتها وبأسها وقوتها، ويصد بها هجمات مضادة شديدة للمشركين، فيحيل الهزيمة المتوقعة الى نصر، لأنه اضطر قريشا الى اليأس من القضاء على المسلمين، بعد أن كان فناء المسلمين أمرا (حتميا) ، ثم اضطرهم الى الانسحاب من المعركة بعد اليأس من إبادة المسلمين.
ولم يكتف بذلك بل خرج في اليوم الثاني من المعركة، لمطاردة قوات المشركين، حتى اضطرهم الى استعمال الحيلة بإرسال المعلومات الكاذبة للمسلمين عن إعتزامهم إعادة الكرّة على قوات الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلم يكترث بهذا التهديد وإنما أعدّ العدّة وقرّر لقاء المشركين مهما تكن الظروف والأحوال.
هذه قيادة عبقرية، ظهرت للرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه المعركة بشكل واضح كل الوضوح، كان من بعض نتائجها أنها جعلت النصر الى جانب المسلمين المغلوبين.