وعاد يهود يطلبون الاستسلام على أن يحكم سعد بن معاذ في مصيرهم، وقد اختاروه لأنه سيد الأوس حلفائهم في الجاهلية، لعلّ الرسول صلّى الله عليه وسلم يقبل من حلفاء الأوس ما قبل من يهود بني قينقاع حلفاء الخزرج.
ورضي الرسول صلّى الله عليه وسلم بنزولهم على حكم سعد، وقبل سعد أن يقوم بالتحكيم بين المسلمين من جهة ويهود من جهة أخرى بعد أن أخذ المواثيق على الطرفين أن يرضى كلاهما بقضائه، فلما أعطوه المواثيق، أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح، ففعلوا ...
وكان حكم سعد فيهم:(أن يقتل المقاتلون، وتقسّم الأموال وتسبى الذراري والنساء) ، لأن سعدا ذكر أن الأحزاب لو انتصروا بخيانة بني قريظة على المسلمين، لكان مصير المسلمين الإبادة، فجزاهم سعد بمثل ما عرّضوا المسلمين له.
لم تكن حرب بني قريظة حرب ميدان، إنما كانت حرب أعصاب، فلم يستطع يهود أن يتحمّلوا الحصار على الرغم من توفّر المواد الغذائية لديهم وتوفر المياه والآبار ومناعة حصونهم وصعوبة اقتحامها، فآثروا الاستسلام على مكابدة الحصار.
والحق أن الموقف العسكري كان الى جانب يهود لتلك الأسباب كلها، ولشدة تعب المسلمين، ولبرودة الطقس، ولكنّ معنوياتهم انهارت، فلم يقاوموا طويلا كما كان المتوقع منهم.
وقتل مقاتلو بني قريظة جميعا ومعهم حييّ بن أخطب الذي تزعّم حركة تجميع الأحزاب ضد المسلمين، إلا ثلاثة رجال من يهود أسلموا «١» ، ولم يقتل من
(١) - هم: ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم، اسلموا تلك الليلة. انظر سيرة ابن هشام ٣/ ٢٥٦.