لم يكن أحد منهم يشك في دخول مكة، فانهارت آمالهم أثناء المفاوضات.
ولم يكن أحد يفهم ما يبرّر الهدنة، فشاهدوا هذه الهدنة تصبح أمرا مفروغا منه.
وكانت عقيدتهم تطغى على كل شيء سواها، فوجدوا إخوانهم المستضعفين من المسلمين يردّون الى المشركين ليفتنوهم عن دينهم.
ولو كان المسلمون ضعفاء أو يشعرون بالضعف لهان الخطب، ولكنهم كانوا أقوياء ماديا ومعنويا، فكيف يقتنعون بالهدنة في شكلها وأسلوبها الذي كان؟
بينما كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يكتب عقد الهدنة، جاء الى المسلمين أبو جندل- وهو ابن سهيل بن عمرو ممثل قريش في المفاوضات- يرسف في الحديد، فقد اعتنق الإسلام فلقي العذاب من أهله المشركين. فلما رأى سهيل ابنه ضرب وجهه وجعل يجرّه ليرده الى قريش، وأبو جندل يصيح بأعلى صوته:(يا معشر المسلمين، أأردّ الى المشركين يفتنونني عن ديني) ؟!
ليس من السهل احتمال المسلمين لمثل هذا الموقف حينذاك. ولكنهم احتملوه صابرين، على الرغم من بعض التذمر الخافت الذي كان يخالج بعض نفوس المسلمين، والذي كان يثيره حرصهم الشديد على عزة الإسلام.
إن ضبط الرسول صلّى الله عليه وسلم أعصابه أثناء المفاوضات وبعدها على الرغم من تذمر بعض المسلمين. وضبط المسلمين أعصابهم في مثل ذلك الموقف على الرغم من حنق بعضهم على المفاوضات والهدنة، كل ذلك يدل على تحلي المسلمين حينذاك بالضبط المتين بشكل يدعو الى الإعجاب الشديد.