باتجاه حركته ولا بالعدو الذي ينوي قتاله. بل أخفى نياته حتى لأقرب المقربين إليه؛ ثم أرسل سرية أبي قتادة الأنصاري الى بطن (إضم) ليزيد من إسدال الستار الكثيف على نياته الحقيقية.
دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على ابنته عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم وهي تهيىء جهاز الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال لها:(أي بنية! أأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجّهز. قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: والله لا أدري) !
ولما اقترب موعد الحركة، صرّح الرسول صلّى الله عليه وسلم بأنه سائر الى مكة، وبثّ عيونه ليحول دون وصول أنباء حركته الى قريش. ولكنّ حاطب بن أبي بلتعة كتب رسالة أعطاها امرأة متوجّهة الى مكة، يخبرهم بها بنيّات المسلمين، فعلم الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه الرسالة، وبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ليدركا المرأة ويأخذا تلك الرسالة منها؛ فأدركاها وأخذا الرسالة التي كانت معها.
ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطبا يسأله:(ما حمله على ذلك) ؟ قال حاطب:
(يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيّرت ولا بدّلت، ولكني كنت أمرأ ليس له في القوم من أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(يا رسول الله! دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق)
قال الرسول صلّى الله عليه وسلم:(أما إنه قد صدقكم، وما يدريك؟ لعل الله قد اطّلع على من شهد (بدرا) فقال: اعملوا ما شئتم) ! ...
شفع لحاطب ماضيه الحافل بالجهاد، فعفا عنه الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأمر المسلمين أن يذكروه بأفضل ما فيه.