في الحديث عن معارك قادة المسلمين، فعرفت كيف أضاء الأسلوب الأول معالم الطريق للباحثين، وحقق قيمة جديدة لأعمال بعض القادة، بينما طمس الأسلوب الثاني أعمالا خالدة تستحق أعظم التقدير والإعجاب.
لقد قرأت أكثر كتب السيرة في تدبر وإمعان، وحاولت أن أستشف منها كل نواحي العظمة التي تتسم بها شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكني وجدت أن عبقريته العسكرية التي لا تتطاول إليها أية عبقرية أخرى لأي قائد في القديم أو الحديث تكاد تكون متوارية محجوبة لم يتح لها من يكشف أسرارها ويجلي عظمتها بأسلوب حديث يجنح الى الكشف والتحليل وإبراز المواهب النادرة خاصة من عسكري يستطيع أن يلم بنواحي العظمة العسكرية التي تكمن فيها ويظهرها جلية للعيان، ومن هنا بقي الجانب العسكري من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم يشوبه الغموض حتى اليوم.
لقد تحدّث مؤرخو السيرة عن معارك الرسول صلّى الله عليه وسلم بإسهاب أو باقتضاب، ومع ذلك يخرج الباحث من دراسة كل معركة دون أن يلمّ بكل تفاصيلها ووقائعها ودوافعها، ويعود ليسأل نفسه: ما هو موقف الطرفين قبل المعركة؟
كيف جرى القتال؟ ما هي الدروس التي نستفيدها من المعركة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الحيوية الملحّة.
إنّ وصف معارك القواد المسلمين وعلى رأسهم الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الذي لا يقنع باحثا ولا يشفي غلّة دارس، جعل تاريخ الحرب الحديث يورد أمثلة من أعمال القواد غير المسلمين، كهنبال وقيصر ونابليون ومولتكه ... الخ.
ولا يورد أمثلة من أعمال القواد المسلمين كالرسول صلّى الله عليه وسلم وخالد وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ... الخ، بينما يدرّس هذا التاريخ للمسلمين وفي بلاد المسلمين!! إنّ سبب ذلك هو (جناية) الأسلوب، هذه الجناية التي جعلتني أفكرّ في تأليف هذا الكتاب عن أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، متوخيا تنسيق