للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك لأن الاسلام بتعاليمه السمحة الرضية، جعل من المسلم الحق مطيعا لا يعصى، صابرا لا يتخاذل، شجاعا لا يجبن، مقداما لا يتردد، مقبلا لا يفر، صامدا لا يتزعزع، مجاهدا لا يتخلف، مؤمنا بمثل عليا، مضحيا من أجلها بالمال والروح، يخوض حربا عادلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.

لا يخاف الموت، ولا يخشى الفقر، ولا يهاب قوة في الأرض، يسالم ولا يستسلم، ولا تضعف عزيمته الأراجيف والإشاعات، لا يستكين للاستعمار الفكري، ويقاوم الغزو الحضاري، ولا يقنط أبدا ولا ييأس من رحمة الله.

هذا المسلم الحق يقظ أشد ما تكون اليقظة، حذر أعظم ما يكون الحذر، يتأهب لعدوه ويعد العدة للقائه، ولا يستهين به في السلم أو الحرب.

فلا عجب أن يكون هذا المسلم الحق، متحليا بمزية: إرادة القتال، بل العجب كل العجب في ألا يكون.

وهذا ما يفسر لنا سر الفتح الإسلامي العظيم الذي امتد خلال ثمانين عاما «١» من الصين شرقا الى فرنسا غربا، ومن سيبيريا شمالا الى المحيط جنوبا.

ذلك لأن شعار المسلمين كان: (قُلْ: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) «٢» ، النصر أو الشهادة.

ولأن المسلمين كانوا يحرصون على الموت حرص غيرهم على الحياة: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا


(١) - من عام أحد عشر للهجرة الى عام اثنين وتسعين للهجرة.
(٢) - الآية الكريمة من سورة التوبة ٩: ٥٢.

<<  <   >  >>