للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عظيمة أيضا؛ يكفي أن نذكر موقف المسلمين من صلح (الحديبية) ، إذ لولا ثقتهم العظيمة به، لرفضوا هذا الصلح.

أما ثقته بأصحابه فيكفي للدلالة عليها أنه قبل زجّ قواته في معركة (بدر) ، بينما كانت قوات المشركين ثلاثة أمثال قوته؛ كما زجّ بهم في معركة (أحد) ، بينما كانت قوات المشركين خمسة أمثال قواته ... الخ.

ولا يمكن أن يقبل القائد الاشتباك في معركة لا يعرف مصيرها ضد أعدائه المتفوقين على قواته فواقا ساحقا، إلا إذا كان ذلك القائد يثق بقواته ثقة عظيمة جدا ...

ط- المحبة المتبادلة:

ظهرت محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه، ومحبة أصحابه له في كل غزواته، بل في كل موقف له في السلم والحرب.

حسبنا أن نذكر موقف أصحابه منه في معركة (أحد) ، حين أحدق به المشركون من كل جانب وصوبوا عليه نبالهم؛ فأخذ المسلمون يصدون عنه النبال المصوّبة عليه بأجسادهم. ولم يقتصر ذلك على الرجال، بل شمل النساء أيضا، فقد ألقت نسيبة الخزرجية سقاءها، واستلّت سيفا وأخذت تذود به عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى خلصت الجراح إليها، فأصيبت يومذاك بثلاثة عشر جرحا، وأغمي عليها من النزيف؛ فلما أفاقت لم تسأل عن زوجها الذي شهد (أحدا) ولا عن ولديها اللذين كانا يقاتلان مع الرسول صلّى الله عليه وسلم، بل سألت أول ما سألت بعد أن عاد إليها وعيها: (وكيف حال الرسول) ؟ ...

ولما مرض مرضه الذي توفاه الله فيه، اعتكف في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فرفع الرسول صلّى الله عليه وسلم الستر المضروب على منزل عائشة وفتح الباب وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم ابتهاجا برؤيته.

ولما قبض الرسول صلّى الله عليه وسلم وتسرب النبأ الفادح، شعر المسلمون أن آفاق المدينة أظلمت عليهم، فتركتهم لوعة الثكل حيارى لا يدرون ما يفعلون.

<<  <   >  >>