اعتبرت قريش المسلمين عصاة ثائرين، فاستباحت في الحرم الآمن الدماء والأموال من المستضعفين المسلمين ممن لا أعوان لهم يدفعون عنهم الظلم والعدوان.
أسلم عمّار بن ياسر وأسلم أبوه وأمّه، فكان المشركون يخرجونهم في الظهيرة الى العراء فيعذبونهم بحرّها، فمات ياسر من العذاب، وأغلظت امرأته القول لأبي جهل، فطعنها بحربة فماتت هي أيضا.
ولاقى مثل هذا العذاب ومثل هذا المصير كثير من المستضعفين.
ولم تكتف قريش بذلك، بل شنّت حربا من السخرية على الرسول صلّى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، فزعموا أن الرسول ساحر، وزعموا أنه كاهن أو شاعر أو مجنون.
وسيطرت قريش على القبائل الوافدة الى مكة المكرمة للحج أو للزيارة أو لأغراض أخرى، فخصصوا جماعة منهم لاستقبال الوافدين لينفروهم عن محمد صلّى الله عليه وسلم ودعوته.
ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يذهب الى الحجيج في مجامعهم، ويطلب منهم النصرة على مشهد من رجال قريش.
واشتدت مقاومة قريش للمسلمين، فأوعز الرسول صلّى الله عليه وسلم الى المستضعفين منهم والى قسم من أصحابه أن يهاجروا الى الحبشة، وكان ذلك في السنة الخامسة من مبعثه.
ورأت قريش انتشار الاسلام، فعزمت على عقد معاهدة تعتبر فيها المسلمين ومن يرضى بدينهم أو يعطف عليهم أو يحمي أحدا منهم حزبا واحدا: لا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعون منهم شيئا، ولا يزوجونهم أو يتزوجون منهم؛ وكتبوا ذلك في صحيفة علّقوها في جوف الكعبة توكيدا لنصوصها، فاضطر