بغَضِّ النظر عن الدعاية الرنَّانة للديمقراطية نقول: نعم بكل وضوح أن الديمقراطية لم تحقق العدالة الاجتماعية, ولم تحقق كذلك الحيلولة دون استعباد الأغنياء للفقراء, ولم تلحقهم بالطبقة العليا أصحاب الجاه والنفوذ, بل إنها أصبحت الوجه الآخر للدكتاتورية القديمة, ولكنها تحت ثوب ناعم, أو كالنار تحت الرماد.
كما أنَّ طريقتهم للانتخابات تدل على أن الفقراء والضعفاء لا يزالون كما كانوا في عهود الإقطاع, فهم لا يستطيعون بذل تلك الأموال الضخمة لدعاية الانتخابات وشراء الضمائر بسبب فقرهم, فيبقى المجال مفتوحًا للأغنياء وأصحاب الجاه والمال وحدهم, وليس للفقير إلّا السير في ركاب رؤساء الحزب الذي يؤيده, وقد يغلب هذا الحزب أو ذلك لمجرد الهوى, أو الأغراض النبيلة أو الفاسقة, فالكل قابل لذلك, فيعود نظام الاحتكار والإقطاع في داخل الحزب الواحد, ولكنه لا يسمَّى بتلك التسمية في عهد فن الدعاية.
وإذا كان البرلمان وهو ممثِّل الشعب, فإنه يمكن الالتفاف عليه بكل بساطة, ثم انتخاب الشعب لبرلمان آخر, وبعد العناء المضني فإنه من السهل حلَّه من قبل رئيس الدولة بأيَّ سبب كان حقًّا أو باطلًا وأحيانًا يتمَّ حله إذا كان أعضاؤه من ذوي الطموح والرغبة في خدمة الشعب, دون النظر إلى خزينة الدولة أو توفير المال, فيحصل النزاع القوي بين وجهاء الدولة ومؤسساتها, وبين طموح البرلمان وبين وزارة الاقتصاد والمال, أو بين البرلمان والبلديات, أو بين البرلمان وأيَّة مؤسسة ولو كان دعاية, بل وأحيانًا يكون القصد الخلاف