٥- وشعر الأوربيون أنهم في حاجة شديدة إلى تحقيق هذا النهج الجديد والسير فيه إلى نهاية الخط علَّهم يجدون ضالتهم المنشودة, ثم راقت هذه النظرية في عيون غيرهم من الناس, بل حتى عند بعض البلهاء من المسلمين الذين يرددون تلك العبارات كما تردد الببغاء صدى الأصوات, وجهل هؤلاء أنهم ليسوا في حاجة إلى تلك النظرية لعدم وجود ما يقتضيها في ظل الإسلام الذي يعتبر الناس كلهم عبيدًا لخالقهم, وبالتالي فلا سيادة لأحد على الحقيقة؛ إذ السيادة كلها لحكم الله تعالى العادل الذي لا تتطرَّق إليه المحاباة أو المصالح أو الظلم.
٦- لقد أراد دعاة السيادة في أوربا أن يخرجوا عن أوضاعهم المتردية والطغيان القائم عليهم -وكانوا على صواب في ذلك وغاية الإنصاف لأنفسهم, ولكنهم لم يهتدوا إلى الحل الصحيح الذي يأمنون معه الانتكاسة مرة أخرى, ولهذا ما أن تَمَّ لهم الوصول إلى تحقيق مطلبهم -وهو تنصيب الشعب- إلّا وكانت أولى ثماره بروز طغيان جديد وطغاة جدد لم تتغير إلّا التسمية فقط, وهم الوجهاء وأصحاب السلطة الجديدة, وهذا أمر بدهي؛ إذ كلا الوضعين الكنسيّ وتأليه الشعب لم يقوما على أساس صحيح وهو التسليم لله -عز وجل والتحاكم إليه وحده, ولم يكن الخلاف بين الطغاة الجدد والقدامى إلّا اختلافًا لفظيًّا؛ القدامى يقولون: الله هو الذي فوَّضهم, والجدد يقولون: الشعب هو الذي فوضهم.
٧- وهذا المنصب الذي حصلت عليه الشعوب لم يكن إلّا مطية للركوب؛ إذ أصبحت الشعوب في واد والمسيرون لهم في وادٍ آخر, وانكمشت