للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدعو إليها, ويكون على حد قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ١، فمن حكَّم رأيه أو قانونه أو شعبه فإنه ممن ينطبق عليه الحكم في الآية؛ لأنه لا طاعة كاملة مستقلة إلا لله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم, وكذا ما أجمع عليه علماء الإسلام في المسائل القابلة للاجتهاد على وفق الأدلة الشرعية فقط, لا من العقل الذي هو قاصر عن إدراك الأحكام الشرعية بمفرده, فإنه لا مكان لاجتهاد العقل في الشريعة الإسلامية مع وجود النص الصريح؛ لأنه حينئذ يكون مردودًا كما جاء في الحديث الشريف: "مَنْ أَحْدَثَ فَي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدّ" ٢.

وليس في الإسلام وجوب الطاعة لأيّ شخص كان ما لم يكن قوله وفق الشرع, وطاعة العلماء في الإسلام إنما هي مقيَّدة بطاعتهم لله تعالى, وأما إذا خلت عن ذلك فإن طاعتهم لا تجوز إلّا فيما أطاع الله تعالى فيه, سواء أكان الشخص حاكمًا أو محكومًا, ذلك أن مصدر السيادة في الإسلام هو الله -عز وجل- وما شرعه لعباده هو الدين وهو الحق وهو العدل, بخلاف السيادة في المذاهب الجاهلية الغربية فمصدرها هناك هم الأمة الذين أحلوا أنفسهم محل الإله في النظريات السيادية الغربية, وإذا قارن القارئ بين السيادتين فسيجد تلك الفروق الهائلة, وهي حتمًا ستقع, سيجد أن كل ما قررته السيادة الغربية قابل للنقض والتغيير والتبديل، تحرّم اليوم ما


١ سورة النساء، الآية: ٦٥.
٢ البخاري ج٢، ص٩٥٩، ومسلم ج٣، ص١٣٤٣.

<<  <   >  >>