النصراني, وإطلاق سيقانهم للريح هربًا منهم دون أن يلووا على شيء, أشبه ما يكون يهرب عبد آبق من سيده الظالم ليقع في يد آخر أظلم منه وأطغى.
وما تعيشه شعوب العلمانية اليوم من فوضى أخلاقية وظلم اجتماعي واستعلاء بعضهم على البعض الآخر، إنما هو دليل واضح على فساد تلك النقلة العلجة على أيدي المفكرين الغرييين، وهذا ما شهد به عقلاء الغرب والشرق على حدٍّ سواء, في انتقاداتهم لأوضاعهم الاجتماعية وحضارتهم القائمة على تأليه المادة وعبادتها.
٦- وإذا كان طغيان، رجال الكنسية وحماقاتهم هو السبب الأكبر في نشأة العلمانية، فإن هذ لم يكن هو السبب الوحيد، بل انضافت إليه أسباب أخرى لا تقلّ أهمية عن كل ما تقدَّم، وتمثَّل ذلك كما عرفت في تلك المواقف المخزية لرجال الدين الجامدين القساة ضد أصحاب العلم التجريبي, وما وصلوا إليه من اكتشافات جديرة بالاحترام والقبول, لولا أن هؤلاء قابلوهم بأنواع الاضطهاد والتعذيب، وكان لرجال الكنيسة صولات وجولات مع كل المفكرين، حيث أذاقوهم من التعذيب ما لا يعلمه إلا الله وحده, بعد أن نصبت لهم محاكم التفتيش التي استعملت من أنواع التعذيب بالمخالفين الذين أطلق عليهم رجال الدين لقب "الهراطقة" ما لا يتصوره العقل، حيث "كانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض, بها غرف خاصة للتعذيب, وآلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري, وكان الزبانية يبدأون بسحق عظام الأرجل, ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا حتى يهشم الجسم