أما نبيُّ الإسلام وما جاء به في تحقيق الإنسانية الخيرة فحدِّث ولا حرج, فقد كان هو نفسه -صلى الله عليه وسلم- مثال الإنسان الكامل قولًا وعملًا وسلوكًا, لا يكاد التاريخ يعرف له مثيلًا في الرحمة بالإنسانية، والعطف على جميع البشر, رأي ذات يوم يمامة تحوم على رءوس الصحابة فقال لهم: من فجع هذه في أفراخها, فقال رجل منهم: أنا, وهي معي, فقال له: أرجع إليها أفراخها, ودنا إليه جمل مسنّ يشكو أهله أنهم يجيعون بطنه ويتعبون ظهره, فرقَّ له عليه السلام, وأمر أصحابه بحسن معاملته, فقال صحابه: هو حر لوجه الله تعالى, وجاءت جارية تشكو إليه أن سيدها لطمها على وجهها, فسأل سيدها فأخبره أنه لطلمها حين رأى الذئب أخذ شاة من الغنم, وأنه بشر يغضب, وندم أشد الندم, ورأى ذلك الرجل أنه لا يكفر عنه إلّا أن يعتقها, فتأكد الرسول -صلى لله عليه وسلم- من إسلامها وأمره بعتقها، وكان -صلى الله عليه وسلم- يفرح لفرح الصحابة ويحزن لحزنهم, ولا يبخل بشيء في يده عن أي سائل, قال ذات يوم لأصحابه:"من له مظلمة عندي فليقتصها مني الآن" , فقام رجل وقال: يا رسول الله, إنك ضربتني بسوط في بطني وأنت تسوي الصفوف يوم بدر, وأريد القصاص, فكشف الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه, وقال:"اقتص" , فقام الرجل وأخذ يقبل بطن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويبكي, فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم:"ما شأنك" , فقال: أحببت أن يكون آخر عهدي في الدنيا بجسمك، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحنو على الصغير ويحترم الكبير, ويستشير أصحابه في كل ما يهمهم, إلى آخر تاريخه المشرق الذي تتضاءل أمام جزء من عظمته عباقرة العالم.
وقد اقتفى المسلمون أثره وتأسَّوا به وحقَّقوا الإنسانية الصحيحة خير تحقيق في أنفسهم وفي أموالهم وفي كل تصرفاتهم.