الدين, ثم حوَّلوهم إلى الهيجان على الدين المسيحي نفسه، وقد أسفرت المعركة عن سحق رجال الدين الكنسي, وعن مطاردة الدين وعدم السماح له بالاستقرار في أي مكان من أجهزة الدولة الناشئة.
٩- ثم جاء الإلحاد في ثورته العارمة ليضيف سببًا جديدًا لقيام العلمانية في أروبا، فساعد على زيادة النار اشتعالًا، والطين بلة, في موجة إلحادية قوية تمالأ عليها الملاحدة في شكل نظريات تبرهن على عدم وجود الله أصلًا, وأن الأشياء إنما وجدت بطبيعتها، وأن التدين إنما هو من صنع الإنسان وخيالاته, وليس من قوة إلهية خارجة عن البشر, وقد شكلت هذه الظاهرة مع ظاهرة الغضب الجماهيري كمَّاشة قوية على أعناق رجال الدين, وعلى الدين نفسه، مما أتاح فرصة سانحة لقيام العلمانية وسائر المذاهب في أوربا بقسميها الشرقي والغربي.
وأودُّ هنا أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن دراسة حال أوربا قبل مجيء روَّاد الفكر والحرية, وبيان ما وصل إليه طغاة الكنيسة في الانحراف والخروج بالدين النصراني إلى الوثنيات على يد بولس وأتباعه, قد تمَّت دراسة كل ذلك في مادة الأديان، فارجع إليه إن شئت، وإنما الغرض هنا هو التنبيه إلى بيان السبب وراء ظهور العلمانية بإيجاز، ثم دراسة هذا المذهب بعد أن أصبح دينًا للقائمين عليه.