القومية في نفوسهم؛ لكي يتم ربطهم بها, فكانت القومية مفيدة لهم بقدر ما هي ضارة بأمة تربطهم عقيدة واحدة مهما اختلفت قومياتهم, وواقع الجميع أقوى شاهد على ذلك١ على حد ما قاله أحد الشعراء:
وتفرقوا شيعًا فكل قبيلة ... فيها أمير المؤمنين ومنبر
أما بالنسبة لاستفادة النصارى ومن وراء قيام القوميات فحدِّث ولا حرج, فلقد غرسوها بين المسلمين وتعهدوها بكل ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليه, حتى أتت ثمارها الخبيثة التي كانوا يتوقعونها, وقد ملئوا الدنيا صياحًا ونياحًا على عودة العرب إلى القومية العربية وإلى التراث المجيد الذي كان للعرب قبل مجيء الإسلام, وإلى حضارات الفينيقيين والآشوريين والفراعنة ... إلخ.
فكم ألَّفوا من الكتب نثرًا ونظمًا لملأ عقول الناس بتقبل القومية التي ستكون هي المنقذ الوحيد للعرب من الذل وسيطرة غيرهم عليهم, والتي أيضًا ستكون هي النبتة الجميلة لبدايات التطور والتقدم ونبذ الماضي البغيض -وهو الإسلام- الذي أخَّر عجلة تطور الدول الإسلامية ... إلى آخر الدعايات التي أجادوا حبكها والتخطيط لها, وتكاتفت جهود الأقليات النصرانية واليهودية المبثوثة بين المسلمين, وجهود الدول الاستعمارية الصليبية التي كانت تتربَّص بالمسلمين الدوائر متمثِّلة في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال وغيرها من دول النصارى, صارت كل هذه القوى الهائلة تحت تنظيم دقيق وخطط أعدّت في غاية من الدهاء والخبث؛ لإدخال فكرة القومية إلى عقل كل مسلم, وأن العرب بخصوصهم لا منقذ لهم غير هذه القومية المباركة التي ستجمعهم