للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي بعض الروايات قال لمن افتخر بعروبته: "دعوها فإنها خبيثة" ١, وفي رواية "فإنها منتنة" ٢, وفي بعضها "دعوها فإنها ليست لكم بأم ولا أب" ٣؛ لأن الإسلام أراد أن تجتث شجرة التعصُّب الخبيثة من أساسها؛ لأن ثمارها لا خير فيها لأحد, بل فيها العداوة والبغضاء والكبرياء والأحقاد وكل المساوئ والرذائل, وأنها لا تؤلف القلوب بل تنفرها وتثير فيها كوامن حب التعالي والبغي بغير الحق, فلا تفيدهم لا في دينهم ولا في دنياهم.

ولقد جُرِّبَت هذه الفكرة قديمًا وحديثًا فكانت فاشلة تافهة, ما أن يحصل خلاف وخصام بين أصحابها إلّا رموا بها عُرْضَ الحائط, وصار بعضهم لا يخالف في الآخر إلًّا ولا ذمَّة, فهو لا يخالف من اختراقها نارًا حامية, ولا يرجوا من تطبيقها جنة عالية, فتكون النتيجة كما قال أبو فراس:

إذا مت ظمآنًا فلا نزل القطر٤.

وقد وضح لكلِّ عاقل أن القومية لم تقدِّم أي نفع للناعقين بها, بل إنها كانت معول هدم وتخريب وبغي, فأي حاجة للمسلمين إلى النعرات الجاهلية بعد أن أعزَّهم الله بالإسلام الذي أكمله الله لهم ورضيه لهم إلى يوم القيامة، وجعل أحكامه شاملة كاملة وافية بجميع ما يحتاج إليه البشر لسعادتهم في الدراين {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ٥.


١ صحيح البخاري مع الفتح ج٣، ص١٢٩٦.
٢ أخرجه البخاري ج٤، ص١٨٦٣.
٣ الحديث بهذا اللفظ أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج٤، ص٢٢٥، وقال: هذا حديث مرسل، وهو مع إرساله غريب.
٤ سورة المائدة، الآية: ٥٠.

<<  <   >  >>