إن الدعوة إلى القومية دعوة إلى الفرقة والفخر والتعالي؛ حيث يدخل التعصُّب بجميع أشكاله من جميع الأبواب, فما الذي يمنع في شرع القومية أن يفتخر العربي بأنه عربي ومن بلد كذا وكذا, والعجمي بأنه عجمي ومن بلد كذا وكذا, سيفتخر حتمًا في شرع القومية العربي بعربيته, والفارسي بفارسيته, والهندي بهنديته, والصيني بصينيته.
وهكذا كل قوم أو بلد سيجدون ما يفتخرون به بالحق وبالباطل, فالقومية ستلهمهم جميعًا صواب ما يريدون, وستعطي كل حزب أدلته على أنه أفضل عناصر البشر, وأن وطنه أفضل الأراضي, وأن كل ذرة منه مقدَّسة, ومعلوم أنه لم يحتج المسلمون في تاريخهم الطويل -قبل انحرافهم عن الجادَّة- إلى قومية تجمعهم ولا أيّ رابط يربطهم غير كتاب الله تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أنه لا يصلح آخر هذه إلّا بما صلح به أولها.
يقول د. جمعه الخولي بعد أن ذكر أن دول أوروبا تحوَّلت إلى شتات من البشر لا رابطة بينهم بعد أن أبعدوا عنهم النصرانية ورجال دينها, وأنهم لجأوا إلى القوميات كوسيلة لربط الشعوب كالقومية الألمانية والقومية الفرنسية والنمساوية ... إلخ, وأنهم لم ينتفعوا بها, بل كانت فتنة لهم وسببًا من أسباب الحروب بينهم.
ثم جاء يوم تحاربت فيه على أساس هذه القوميات في الحربين العالميتين الأولى والثانية, فلما أحسَّت بلعنة القومية أخذت تتخلَّى عنها