وعدَّ كثير من مفكريها العودة للدعوة لها دليلًا على الرجعية والتخلُّف وعنصرًا هدامًا للإنسانية, واعتبروها نوعًا من التجارب التي لجأت إليها أوروبا في ظروف خاصَّة وفي وقت محدود, ثم نقل عن المؤرخ الشهير "أرنولد توينبي" قوله: "القومية لا تستطيع أبدًا أن توحِّد الإنسانية, بل إنها توزعها وتشتت شملها, ومن أجل ذلك ليس لها مستقبل, وأنها لا تستطيع إلّا أن تدفن الإنسانية في ركامها, وأننا إذا أردنا أن ننقذ أنفسنا من الهلاك والدمار فينبغي أن تحتضن الإنسانية كلها من غير استثناء, ونتعلم كيف نعيش كأسرة واحدة"١.
ثم ألَا يعلم القوميون العرب بخصوصهم أن العرب قبل الإسلام كانوا في غاية الأنفة والحمية والفصاحة العجيبة, فما الذي أغنت عنهم, وهل جنَّبتهم غضب الله, أو جنَّبتهم الذل لغيرهم من سائر الأجناس, أليس كان الفرس ينظرون إلى العرب كما ينظرون إلى الحشرات, لا يقيمون لهم وزنًا ولا قيمة, فلماذا لم تدافع عنهم القومية, وهل ستدافع عن المسلمين والعرب اليوم لولا ذوابها؟! وكم دعوا لها وكم لاذوا بها فكانت النتيجة ما نشاهده اليوم من تفرقهم وتشتتهم وذلهم الذي بلغ ذورته مع وصول القومية إلى ذورتها على أيدي ملاحدة البعث ونصارى العرب وغيرهم من مغفلي المسلمين وأصحاب المصالح, الذين أذلّتهم بطونهم ومطامعهم, الذين هم أشبه ما يكونون بالقطط الذين يشبعون, والنمور جياع، ثم أليست شريعة القوميين هي نفسها الشريعة التي كانت في الجاهلية من التعصُّب القبلي -انصر أخاك ظالمًَا أو